أنتلجنسيا المغرب:رئاسة التحرير
تؤكد دراسة حديثة صادرة عن المعهد المغربي لتحليل السياسات، أن الدبلوماسية البرلمانية باتت رافدًا حيويًا لتعزيز المكاسب الاستراتيجية للمغرب في قضية الصحراء، خاصة في ظل تزايد الدعم الدولي لموقفه.
لكن رغم الأهمية المتنامية لهذا الدور، تظل الأرقام المسجلة بشأن الأداء الدبلوماسي لمجلس النواب غير مطمئنة، إذ لم تتجاوز نسبة الأنشطة التي أثمرت مواقف داعمة للوحدة الترابية 14% من إجمالي 495 نشاطًا دبلوماسيًا جرى تنظيمها خلال السنوات الثلاث الأولى من الولاية التشريعية 2021-2026.
يبرز هذا المعطى تساؤلات ملحة حول مدى نجاعة الدبلوماسية البرلمانية في تحقيق اختراقات دبلوماسية جوهرية، خصوصًا وأن المغرب يخوض معركة دبلوماسية مستمرة لحشد الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء. فعلى الرغم من أن البرلمان المغربي يكثف أنشطته الدبلوماسية، إلا أن مردودية هذه التحركات تظل دون مستوى الطموحات، مما يفرض الحاجة إلى إعادة النظر في استراتيجياته وآلياته لتكون أكثر تأثيرًا وفعالية.
وتشير الدراسة إلى أن هذه النتائج تعكس تحديات بنيوية تعترض عمل الدبلوماسية البرلمانية، من بينها محدودية التنسيق بين مختلف الفاعلين السياسيين، وضعف آليات التأطير والتكوين في المجال الدبلوماسي لدى بعض البرلمانيين، فضلًا عن غياب رؤية مندمجة تستند إلى استراتيجيات طويلة الأمد بدل الاقتصار على تحركات آنية وردود فعل ظرفية. كما أن نجاح الدبلوماسية البرلمانية لا يقاس فقط بعدد اللقاءات التي تعقدها الوفود البرلمانية المغربية مع نظرائها عبر العالم، بل بمدى قدرتها على إقناع المؤسسات التشريعية الأجنبية بتبني مواقف واضحة ومؤيدة لمغربية الصحراء.
في السياق ذاته، فإن بعض التجارب الدولية الناجحة في مجال الدبلوماسية البرلمانية تعكس أهمية الاستثمار في بناء شبكات دعم قوية داخل البرلمانات العالمية، وهو ما يتطلب دينامية أكبر وانفتاحًا مستمرًا على الفاعلين الدوليين القادرين على التأثير في القرار السياسي لبلدانهم. فالمعركة الدبلوماسية في قضية الصحراء لا تقتصر على التحركات الحكومية أو القرارات الأممية، بل تشمل أيضًا بناء تحالفات برلمانية قوية قادرة على ترسيخ الموقف المغربي داخل الهيئات التشريعية الكبرى.
وإذا كان الدعم الدولي لمغربية الصحراء قد شهد تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، كما تجلى في اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وافتتاح العديد من القنصليات في العيون والداخلة، فإن الدبلوماسية البرلمانية مدعوة للعب دور أكثر فاعلية واستباقية لتعزيز هذه المكتسبات وضمان استدامتها. فالمطلوب ليس فقط تعزيز التواصل مع البرلمانات الأجنبية، بل كذلك استثمار الفضاءات التشريعية الدولية والتكتلات الإقليمية للدفاع عن موقف المغرب بشكل مؤثر.
وإذا كانت بعض النجاحات قد تحققت، فإن تحقيق اختراقات أوسع يستوجب تجاوز المقاربة التقليدية التي تركز فقط على عقد اللقاءات الرسمية، والانتقال إلى بناء شراكات دبلوماسية برلمانية حقيقية قائمة على تبادل المصالح وتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والأمنية والحقوقية، مما قد يساهم في دفع العديد من البرلمانات لاتخاذ مواقف أكثر وضوحًا وانسجامًا مع الموقف المغربي.
ختامًا، تبدو الدبلوماسية البرلمانية أمام تحدٍ كبير يتمثل في ضرورة الرفع من مردوديتها وتحقيق نتائج ملموسة تواكب حجم التحديات التي يواجهها المغرب في ملف الصحراء. فالنجاح في هذا الرهان يتطلب رؤية أكثر دينامية، تقوم على التخطيط الاستراتيجي والتنسيق المحكم بين مختلف الفاعلين، لضمان أن تكون الدبلوماسية البرلمانية رافدًا حقيقيًا للدبلوماسية الرسمية وليس مجرد آلية مكملة لها دون تأثير يُذكر على أرض الواقع.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك