مغربنا1-Maghribona1:القاسمي/ع يعتبر الملف الترابي بين اسبانيا والمغرب من أعقد الملفات في تاريخ علاقات ضفتي مضيق جبل طارق ويعود إلي عهود طويلة وليس فقط إلي فتح الأندلس مع طارق بن زياد، وكانت انطلاقته القرن الرابع الميلادي عندما غزا سكان المغرب جنوب اسبانيا. واستمر الغزو من هذا الجانب أو ذاك طيلة القرون العشرين الأخيرة، وأهم فصوله الدموية تلك التي بدأت مع إيزابيلا الكاثوليكية باحتلال مليلية سنة 1497 وانتزاع سبتة من البرتغال
وحرب تطوان واحتلال المغرب في بداية القرن العشرين وآخر حلقاتها تتجلي في زيارة ملكي اسبانيا خوان كارلوس وصوفيا الي المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية الواقعتين شمال المغرب يوم 5 و6 نوفمبر 2007 والتي أثارت احتجاج المغاربة ملكا وشعبا وأعادت المشكل الترابي الي الواجهة. وتشير الكثير من المعطيات أن هذا الملف الاستعماري لن يعمر طويلا وقد يستعيد المغرب أراضيه في العقد الخامس من القرن الجاري.
الملف الترابي ركيزة سياسة اسبانيا تجاه المغرب مرتكزات فكر السياسة الخارجية الإسبانية تجاه المغرب منذ أواخر القرن الخامس عشر حتي وقتنا هذا تختزل عموما في النزاعات الترابية وكيفية إدارتها عبر الحوار من خلال اتفاقيات صداقة وهي قليلة ولم تحترم أو الحرب وهي المهيمنة واستمرت قرونا.
ويمكن تلخيص هذا الفكر برمته في نقطتين أساسيتين:الأولي وهي السيطرة وإضعاف المغرب ، فالهم الأساسي ما بعد القرن الخامس عشر كان هو منع عودة المغاربة المسلمين الي الأندلس، وتحول في الوقت الراهن الي مراقبة المغرب حتي لا يتقوي عسكريا ويفرض حلولا بالقوة أو الضغط في ملف سبتة ومليلية.
وكانت جريدة الموندو قد سبق و ان كتبت أن اسبانيا تعمل على تجديد وتطوير ترسانتها العسكرية لتضمن تفوقا عسكريا على المغرب خلال الخمسين سنة المقبلة.والنقطة الثانية تتجلي في الترويج لأطروحة مفادها أن بلاد المغرب لم تشهد تأسيس دولة أو كيانا سياسيا إلا بعد الإستقلال سنة 1956.
وتتوخي هذه الأطروحة المواجهة الفكرية لتفنيد المطالب التاريخية للمغرب السابقة للقرن العشرين بشأن المدينتين والجزر المستعمرة. فالمكتبات الإسبانية مليئة بهذا النوع من الكتب بل وحتي أغلب الأطروحات التي تنجز في بعض الجامعات سواء في أوروبا أو أمريكا اللاتينية حول العلاقات المغربية ـ الإسبانية عادة ما تجد أمامها سوي الأطروحة التي تروج لها اسبانيا أمام غياب مؤلفات مغربية في هذا الشأن باستثناء كتابين أو ثلاثة باللغة العربية ولم تتم ترجمتها الي لغات أوروبية لتكون مرجعا للبحث والتحصيل. وتبقي هذه الأطروحة مضحكة تاريخيا لأن المغرب تواجد ككيان منذ انفصاله عن الخلافة في المشرق وتأسيسه إمارة المؤمنين في الغرب الاسلامي عبر سلالات حاكمة وهي الأدارسة والمرابطون والموحدون والمرينيون والسعديون والعلويون. وطالما استمر هذا الفكر مهيمنا في الجيش والأحزاب والدبلوماسية، يبقي من الصعب توصل المغرب واسبانيا الي علاقات متينة قائمة علي الحوار والثقة بل ستستمر تلك العلاقات رهينة الحذر وغياب الثقة. في الوقت نفسه، هناك ارتباط وثيق خلال الثلاثة قرون الأخيرة بتطورات الوضع داخل اسبانيا ومحاولة تصريفه نحو الخارج، بمعني أن اسبانيا كلما وقعت في أزمة شائكة تهدد مؤسساتها تحاول التخطيط لغزو المغرب لصرف الأنظار أو اختلاق أزمة مع الجار الجنوبي.
وجاء في مقدمة كتاب "الحلم الكولونيالي" للمؤرخ "فيدريكو فيالوبوس" والمعنونة بـ ورثة إيزابيلا الكاثوليكية أن اسبانيا تتوارث وصية إيزابيلا الكاثوليكية باستعمار شمال المغرب أو المغرب برمته درءا لعودة المسلمين إلي هذا البلد الأوروبي أو حبا في التوسع وإظهار عظمتها، مما أدي إلي حروب متواصلة خلفت مئات الآلاف من القتلي في القرون الأربعة الأخيرة. خمسة قرون من الحرب حول سبتة ومليلية غزو المغرب كان قرارا من الفاتيكان، ويحمل طابعا دينيا محضا. فقد منح البابا سنة 1480 ما يعرف ب حق الغزو للبرتغال التي كانت قد بدأت عملية غزو المغرب بعقود من قبل وكانت أولي السواحل التي سقطت هي سبتة يوم 21 غشت 1415.
وظهر تنظيم مغربي سري يسمي منظمة 21 غشت في السبعينات للمطالبة بتحرير سبتة ومليلية ويتهم بأنه المسؤول عن ثلاثة تفجيرات وقعت في سبتة سنتي 1974 و1975، ولكنها لم تخلف قتلي كما أن التنظيم اختفي نهائيا. واحترمت إيزابيلا الكاثوليكية القرار البابوي، ولم تقم بغزو مليلية حتي يوم 17سبتمبر1497 عندما نزل خمسة آلاف جندي بقيادة بيدرو دي إستوبنيان دفعة واحدة واحتلوا القلعة الرئيسية للمدينة، وكانوا يعتقدون في تحالف الريفيين (سكان شمال المغرب) معهم والذين كانوا في حرب مع سلطان المغرب وقتها، لكن هؤلاء نسوا خلافاتهم مع السلطان الوطاسي وشنوا حملات قوية ضد الاسبان. من جهة أخري، سلمت البرتغال سبتة الي اسبانيا بشكل نهائي ورسمي سنة 1668 لتصبح اسبانيا القوة الأوروبية الوحيدة المستعمرة للمغرب حتي دخول الفرنسيين في أوائل القرن العشرين ومأسسة الاستعمار سنة 1912 تحت ما يسمي بالحماية . ويذكر أن الاسبان احتلوا في القرن 15 و16 عددا من سواحل المغرب العربي من ضمنها وهران الجزائرية. توالت المناوشات الحربية بين المغرب واسبانيا من حين الي آخر حول سبتة ومليلية المحتلتين، ورغم توقيع اتفاقيات السلام والصداقة بين البلدين وهي كثيرة وتتعدي عشرة اتفاقيات منذ القرن الثامن عشر حتي آخر اتفاقية سنة 1992 كان المغاربة يعتبرون أنها لا تشمل نهائيا المدينتين المحتلتين. وتزعم بعض ملوك المغرب حروبا ضد المدينتين، فالسلطان مولاي إسماعيل حاصر سبتة لمدة اكثر من 30 سنة خلال حكمه الممتد ما بين 1694م الي 1724م، كان الحصار الأول خمس سنوات والحصار الثاني حوالي 35 سنة.
ويحكي الناصري في كتابه الشهير «الاستقصا بأخبار المغرب الأقصى». الجزء الثالث المخصص للدولة العلوية، قائلا: «ثم سار المجاهدون بعد الفراغ من أصيلا إلى سبتة فنزلوا عليها وحاصروها واستأنفوا الجد في مقاتلتها. وأمدهم السلطان بعسكر من عبيد البخاري وأمر قبائل الجبل أن تعين كل قبيلة حصتها للمرابطة على سبتة وكذلك أمر أهل فاس أن يبعثوا بحصتهم إليها فكان عدد المرابطين عليها خمسة وعشرين ألفا وتقدم السلطان إليهم في الجد والاجتهاد.
فكان القتال لا ينقطع عنها صباحا ومساء وطال الأمد حتى أن السلطان رحمه الله اتهم القواد الذين كانوا على حصارها بعدم النصح في افتتاحها لئلا يبعث بهم بعدها إلى حصار البريجة فيبعدوا عن بلادهم مع أنهم قد سئموا كثرة الأسفار ومشقات الحروب واستمر الحال إلى أن مات القائد أبو الحسن علي بن عبد الله الريفي. وولى بعده ابنه القائد أبو العباس أحمد بن علي والقتال لا زال والحال ما حال وفي كل سنة يتعاقب الغزاة عليها والسلطان مشتغل بتمهيد المغرب ومقاتلة برابرة جبل فازاز وغيرهم. ولم يهيئ الله فتحها على يديه ودار القائد أحمد بن علي ومسجده اللذين بناهما بإزاء سبتة أيام الحصار لا زالا قائمي العين والأثر إلى اليوم».
لم تنجح محاولة السلطان في تخليص المدينة من يد المحتلين الإسبانيين بالرغم من أن الحصار دام أكثر من ثلاثين سنة، أي من عام 1694م إلى غاية 1724م، لأنه كان منشغلا بحروب أخرى شغلته عن إتمام مشروعه التحريري للمدينة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك