أنتلجنسيا المغرب: وصال . ل
تشهد المنظومة الصحية في المغرب حالة
من التذبذب بين محاولات الإصلاح والتحديات البنيوية العميقة التي تراكمت لعقود،
ورغم ما تعلنه الحكومة من برامج وخطط، إلا أن واقع المستشفيات العمومية والمراكز
الصحية يكشف عن اختلالات صارخة تعيق ولوج المواطنين إلى خدمة صحية عادلة وفعالة.
الخصاص المهول في الموارد البشرية
يبقى من أكبر التحديات، حيث لا تزال العديد من المستشفيات تعاني من نقص الأطباء
والممرضين والتقنيين، ما يؤدي إلى اكتظاظ مهول وتأخر في المواعيد الطبية، بل
وأحيانًا حرمان فئات واسعة من الاستفادة من الفحوصات أو العلاجات الأساسية.
من جهة أخرى، يطرح مشكل البنية
التحتية المتقادمة إشكالات حقيقية في العديد من الأقاليم، إذ توجد مؤسسات صحية
بدون تجهيزات حديثة، وبدون وسائل تدخل استعجالي، بل وحتى دون سيارات إسعاف مؤهلة،
ما يضع حياة المرضى في خطر، خاصة في المناطق النائية والجبلية.
وفي الوقت الذي أطلقت فيه الحكومة ورش
"الحماية الاجتماعية"، وُعد المواطنون بتعميم التغطية الصحية الإجبارية،
لكن الواقع أظهر أن التسجيل لا يعني بالضرورة الاستفادة، إذ اصطدم المنتسبون الجدد
بنقص الخدمات وانعدام الأطر، ما جعل الورش الطموح يفقد بريقه أمام الانتظارات
الشعبية الكبرى.
القطاع الخاص من جهته، وعلى الرغم من
تطوره التكنولوجي والطبي، بات ملاذًا للنخبة فقط، حيث تقف الفواتير الخيالية
حائلًا أمام المواطن البسيط، ما يعمّق الفوارق الطبقية في الاستفادة من العلاج
ويكرّس منطق الصحة لمن يملك القدرة على الدفع فقط.
الصفقات الكبرى في قطاع الصحة تثير
تساؤلات كثيرة، خصوصًا مع الحديث المتكرر عن غياب الشفافية وتضارب المصالح في ما
يخص تجهيز المستشفيات واقتناء المعدات، ما يجعل ثقة المواطن تتآكل في قدرة الحكومة
على تسيير الملف بنزاهة وكفاءة.
وفي ما يخص السياسة الدوائية، يشتكي
المغاربة من الغلاء الفاحش لبعض الأدوية مقارنة بدول مجاورة، مما يثقل كاهل المرضى
وأسرهم، في غياب سياسة وطنية فعالة لتشجيع الدواء الجنيس وضبط أسعار الأدوية
الحيوية التي تمس الفئات الهشة.
القطاع الصحي النفسي والعقلي يعيش
بدوره تهميشًا تامًا، إذ لا تتوفر البلاد إلا على عدد قليل جدًا من الأطباء
النفسيين والأسرة الاستشفائية الخاصة، ما يجعل مرضى الاضطرابات النفسية في مواجهة
مباشرة مع المعاناة، دون احتضان أو رعاية ملائمة.
الوقاية تبقى الحلقة الأضعف في
المنظومة، حيث لا تراهن السياسات العمومية على التوعية والتحسيس بشكل جدي، رغم أن
الوقاية أرخص بكثير من العلاج، ما يحوّل المواطن إلى ضحية سهلة للأمراض المزمنة
كداء السكري وارتفاع الضغط وأمراض القلب دون استراتيجية واضحة للمواجهة.
في الختام، يمكن القول إن الوضع الصحي
في المغرب لا يزال بعيدًا عن تطلعات المواطن المغربي البسيط. فبين الخطابات
الرسمية الحالمة والواقع المرير، تبقى الحاجة ملحة إلى إصلاح شامل حقيقي يعيد
الاعتبار للحق في الصحة كحق دستوري غير قابل للتصرف، وليس مجرد شعار انتخابي عابر.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك