محمد زاوي يكتب:العروي وفلسطين

محمد زاوي يكتب:العروي وفلسطين
... رأي / الجمعة 31 يناير 2025 21:03 / لا توجد تعليقات:

بقلم:محمد زاوي

قبل مدّة، حوالي أربع سنوات، كتب أحدهم (عبد الرحيم التوراني) مقالا بعنوان "عبد الله العروي الآخر.. المرشح البرلماني، المتسامح مع التطبيع وصهر تاجر السلاح"، وكان ذلك قبل "استئناف المغرب علاقاته بإسرائيل" (2020)، وقبل أن يصبح لنقاش "التطبيع" دوي أكبر عقب عملية "طوفان الأقصى" (7 أكتوبر 2023). وقد خلق هذا المقال نقاشا لا بأس به عند متابعي العروي، خاصة عند أولئك الذين يقفون على النقيض منه، إيديولوجيا أو سياسيا.

تحدث المقال عن زوجة عبد الله العروي، لطيفة بنجلون. وقال صاحبه إنها "لم تكن تتأخر عن دعوات غادي غولان رئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي في شارع بني يزناسن، الشارع الذي أصبح يحمل اسم المهدي بنبركة في منطقة السويسي بالرباط.. كانت صور مدام لطيفة بنجلون العروي تطلع باستمرار في نشرة "اللقاء" التي تصدر عن المكتب الإسرائيلي قبل إغلاقه بسبب حرب غزة في نهاية أكتوبر 2000".

وأضاف صاحب المقال: "لكن لا أحد سمع أو قرأ رأيا واضحا لعبد الله العروي حول التطبيع، أو بشأن تطبيع زوجته الكريمة السيدة لطيفة بنجلون.. أم أنه يحق لها ذلك ما دامت والدتها من أصول يهودية، إذ تتحدر أمها من أب ألماني وأم نمساوية يهوديين، فوالدة زوجة العروي تسمى لينا فلوش الكاتبة والصحفية… لما اقترنت الصحفية اليهودية الألمانية لينا فلوش بالمحامي المغربي المسلم عبد القادر بنجلون (وزير سابق من قادة الشورى والاستقلال) أشهرت إسلامها وحصلت على الجنسية المغربية، و"آمنت بالمغرب المتحرر والمتقدم، وكانت تدافع مع زوجها عن حقوق الأمة المغربية"، كما كتبت لطيفة العروي تتحدث عن سيرة والدها في كتاب صدر بالفرنسية قبل سنة". 


لا يهمنا كل ما جاء في مقال عبد الرحيم التوراني، بقدر ما تهمنا هذه المعطيات التي أراد بها التوراني الاحتجاج المبطن على "تسامح العروي مع تطبيع زوجته".. فإلى أي حد يَعتبر هذا الاحتجاجُ منطقَ العروي؟ إلى أي حد يميز بين الذاتي والموضوعي في قضية معقدة هي القضية الفلسطينية؟ وهل غاب عنه استحضار ما يدعو إليه العروي في القضية: نجاعة ميدانية، خطة للسلام، استثمار في المستقبل؟! من يقتلع التحليل من ذاته، من يخرج النظر والفهم من شعوره، ليس مؤهلا لطرح هذه الأسئلة، ولا لمعرفة موقف العروي من مختلف القضايا، وليس فلسطين وحدها. لذلك قلنا مرارا إن قراءة متن العروي تمر عبر قراءات سابقة، ففهم تنقصه الموضوعية ("الحقيقة خارج شعورنا" بتعبير جورج بوليتزر) سرعان ما يحاكم العروي لموقف مثالي.


يبحث العروي عن نجاعة ميدانية في سياسة المنطقة، وبالتالي فكل تدخل لا يعتبر ميزان القوى لا يفي بغرض التحرير في نظره، مهما كانت نوايا أصحابه. النموذج مصر جمال عبد الناصر، القومية العربية عموما؛ مشروع فتي لتوه يتأسس وضع ثقته في الاتحاد السوفييتي فإذا به يُخضع المنطقة كلها لتسوية مع الأمريكي دون علم عبد الناصر ورفاقه المصريين والعرب. فماذا كانت النتيجة؟ فيتنام للسوفييت، والشرق الأوسط لأمريكا. من يتذكر حماسة القوميين ستينيات القرن الماضي، لا بد أن يتجرع مرارة حماسة لا تسندها قوة، وإيديولوجيا ملهمة ننقصها النجاعة في ميدان السياسة والحرب.

وما كان يراه ويفكر فيه العروي قبل عقود، وقبل أن تروّج أطراف دولية عديدة لفكرة السلام، أن "الصهيونية" تعرقل السلام في الشرق الأوسط. والواجب أن يتأسس حلف للسلام يعمل على تحقيق خطة للسلام في المنطقة، على النقيض من خطة "الصهيونية". واليوم، تنخرط دول كالسعودية والمغرب ومصر والأردن، ومعها المجمع الصناعي المدني بأمريكا وكذا الصين الخ، في استراتيجية واحدة هي استراتيجية السلام في الشرق الأوسط. وذلك في وقت يضغط فيه اليمين المتطرف على "الحكومة الإسرائيلية" لممارسة المزيد من العنف، استجداء واستدراجا لعنف مضاد يمهِّد لهرمجدون موعودة. الأطراف التي تخدمها بلقنة المنطقة، يجمعها العروي في مصطلح "الصهيونية"، أو هكذا جاءت ترجمته.

في سبعينات القرن الماضي، انتبه العروي إلى سوء المعاملة التي يتعرض لها اليهود المغاربة في "إسرائيل"، من قبل الحاكمين الإسرائيليين آنذاك والذي كانوا في أغلبهم من يهود أوروبا الشرقية. وكان العروي قد تنبأ آنذاك بوصول اليهود المغاربة إلى مناصب كبيرة في "إسرائيل"، داعيا الدولة المغربية إلى الاهتمام بالموضوع. وربما كذلك كان، وقبل أن ينبه إليه العروي. لقد كانت هجرة اليهود -أو تهجيرهم- إلى فلسطين كافية لاعتبارهم نسيا منسيا، أو للحكم عليهم بالخيانة واعتبارهم مجنّدين لدى أعداء الأمة. غير أن العروي فضل الرهان على أعدادهم الكبيرة لمصلحة المغرب، ورأى مستقبلهم في حاضرهم (آنذاك)، رأى تأثيرا مغربيا في بوادر من العزم والاستهداف المنتج للتحدي.

هل تجرِّد هذه المواقف عبد الله العروي من انتمائه القومي العربي؟ هل تجعله غريما للقضية الفلسطينة؟ ليس الأمر كذلك، وإنما هو تفكير يختلف عن تفكير، اعتبار للضرورة والممكن، تفكير في السياسة بمنطق السياسة، أي المصلحة لا العقيدة. من يختلف مع العروي في القضية الفلسطينية عليه أن يعود بالاختلاف إلى أصله، بمعنى: كيف نفكر في السياسة؟ فإذا عرف أصل الخلاف، أصبحت فروعه مجرد تحصيل حاصل.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك