مغربنا 1 المغرب
أجمع أكاديميون وباحثون ومسؤولون مغاربة وإسبان على متانة العلاقات المغربية الإسبانية التي اعتبروها “ضاربة في عمق التاريخ”، مشددين على ضرورة المضي بها قدما نحو آفاق متجددة بعد اعتراف مدريد بمغربية الصحراء في منعطف تاريخي غيّر براديغمات المنطقة.
جاء ذلك خلال فعاليات ندوة دولية احتضنتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، افتُتحت أشغالها أمس الأربعاء، تحت عنوان “العلاقات المغربية الإسبانية: رؤى متقاطعة”.
عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، جمال الدين الهاني، قال إن فرص التعاون بين المملكتين المغربية والإسبانية ينبغي أن تتعزز أكثر في اتجاه “تبادل ثقافي غير منقطع بين الطلبة والأساتذة في الاتجاهين”، داعيا بصريح العبارة إلى “إحداث كرسي علمي وبحثي يحمل اسم الشريف الإدريسي بجامعة محمد الخامس في الرباط، ما سيحفز حركية التعاون الثقافي والعلمي بين البلدين ويوفر أرضية علمية للآفاق الواعدة للشراكة بينهما في سياق ما بعد الاعتراف الإسباني بمغربية الصحراء”.
واستحضر الهاني، في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية لهذه الندوة، “إرثا عظيما بين حضارتين تاريخيتيْن في الفضاء المتوسطي”، داعيا إلى “تثمين المُنجَز والمشترك، والتفكير في المصير المشترك للمنطقة وتلاقحها الثقافي والروحي”، مبرزا جهود فلاسفة وكتّاب ساهموا في إغناء هذا الإرث، مثل ابن رشد وابن طفيل وموسى بن ميمون.
وقال: “الجوار الجغرافي بين إسبانيا والمغرب ليس (وحده) فقط ما يفسِّر العلاقات المتميزة بينهما، بل هناك قواسم مشتركة لمنطلقات التفكير في الكائن في أفق البحث عن ممكنات ترفع التعاون إلى مرتبة الحوار الاستراتيجي”.
كما أكد عميد كلية الآداب بالرباط، في تصريح لهسبريس على هامش الندوة، ضرورة “إحداث إطار مؤسساتي دائم قائم بحد ذاته، يجتمع بصفة دورية ويتداول بعض الإشكاليات العلمية والثقافية، وحتى السياسية والاقتصادية”، مفسرا اقتراحه في هذا الصدد بإحداث كرسي جامعي علمي يجمع مثقفين وجامعيين من البلدين، نظرا لأهمية “استمرارية اللقاء والحوار والتواصل بين المملكتين الجارتيْن في المجال الثقافي والعلمي والجامعي”.
من جهته، أوضح نبيل دريوش، إعلامي باحث مختص في العلاقات المغربية الإسبانية شارك في الجلسة الثانية من هذه الندوة بمداخلة بعنوان “المغرب وإسبانيا: معالم مرحلة جديدة”، أن هذه الندوة العلمية تأتي “بعد ثالث أكبر أزمة شهدتها العلاقات المغربية الإسبانية منذ بداية القرن 21، باستقبال إسبانيا زعيم الانفصاليين إبراهيم غالي ورد فعل المغرب”.
وأضاف دريوش، في تصريح لهسبريس، أن “مرحلة المصالحة دشنتها الرسالة التي بعثها رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز إلى الملك محمد السادس في مارس 2022، والتي حملت الموقف الجديد للدولة الإسبانية إزاء قضية الصحراء بتعبيرها عن دعمها لمقترح الحكم الذاتي باعتباره الأكثر جدية وذا مصداقية وواقعية”.
وأشار إلى “تغيُّر جذري في براديغم التعامل والسلوك الإسباني تجاه قضية الصحراء المغربية طيلة العقود الخمسة الماضية”، مشددا على أن ذلك “فتح صفحة جديدة ومرحلة واعدة في العلاقات المغربية الإسبانية، عبّرت عنها خارطة الطريق التي تم تبنّيها في 7 أبريل الماضي، باعتبارها دستور المرحلة الجديدة”.
وخلص الباحث المغربي في الشأن الإسباني إلى أن “البلدين يحاولان من خلال هذه الوثيقة تجاوز أخطاء الماضي وحلْحَلة مشاكل عالقة بينهما، مع تجنب بعض ملفات الصراع والمضي قدما في ترسيخ التعاون الثنائي”، خاتما بأن “العالم لم يعد يسمح اليوم إلا بالتعاون ومزيد من التعاون”.
بدوره، محمد الدرويش، أستاذ جامعي رئيس مؤسسة “فكر للتنمية والثقافة والعلوم”، وضع الندوة في “سياقات احتفالات وطنية ودولية خلال شهر نونبر، لاسيما ذكرى المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال، وكذا أيام عالمية للتسامح والعلوم والفلسفة”، موردا، في تصريح لهسبريس، أنها “تؤطر محاور تدخل الأساتذة الباحثين والأكاديميين طيلة يومين، مستحضرين تاريخ العلاقات المغربية الإسبانية، وكذا للانطلاق منها لتثبيت هذه العلاقات على جميع المستويات انطلاقا من الحاضر وبناءً للمستقبل المربح للطرفين”.
واتخذت علاقات الرباط ومدريد، يضيف الدرويش، “منحى إيجابيا يوحي بتطور غير مسبوق لاعتبارات متعددة، أبرزها القرب الجغرافي وتقاسم المصير نفسه”، موصيا بـ”تثمينها وبنائها على أسس الاحترام والثقة المتبادلين مع عدم التدخل في الشؤون الداخلية”، مثمنا “توقيع اتفاقية توأمة بين مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم وجمعية التعاون الكناري-المغربي (Acama) التي يرأسها رجل له حضور سياسي وازن وتقدير للمغرب وللمغاربة”.
يشار إلى أن تنظيم فعاليات هذه الندوة العلمية الدولية، الأولى من نوعها بعد تحسّن العلاقات المغربية الإسبانية منتصف العام 2022، جاء بمبادرة من مؤسسة “فكر للتنمية والثقافة والعلوم” بشراكة مع جامعة محمد الخامس بالرباط (كلية الآداب والعلوم الإنسانية) ووزارة الشباب والثقافة والتواصل (قطاع الثقافة)، فضلا عن “جمعية جهات المغرب” ومجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة.
فعاليات الندوة تتشكل فضلا عن جلستين افتتاحية وختامية، من خمس جلسات علمية، يؤطر مداخلاتها ونقاشاتها باحثون ومسؤولون من المغرب وإسبانيا.
وتميزت الجلسة الأولى بحضور ومداخلة ماريا أنطونيو تروخيو، الأكاديمية الإسبانية وزيرة الإسكان السابقة في حكومة ثاباتيرو، وعبد الواحد أكمير، الأستاذ الجامعي المغربي للتاريخ الإيبيري، والبشير الدخيل، القيادي الأسبق في جبهة البوليساريو.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك