أنتلجنسيا المغرب:أبو فراس
في تصريح لافت حمل بُعدًا إنسانيًا عميقًا، قال نجم التلفزيون الفرنسي ديلان ثيري: "القضية الفلسطينية ليست قضية تخص العرب أو المسلمين فقط، بل قضية تخص إنسانيتنا جميعًا." هذا الموقف الذي عبّر عنه الإعلامي والمؤثر الفرنسي جاء في وقت تشهد فيه الساحة الدولية نقاشًا متزايدًا حول العدوان الإسرائيلي على غزة، وما يصاحبه من انتهاكات لحقوق الإنسان، وسط تباين المواقف الدولية بين الدعم الأعمى لإسرائيل والصمت المريب، وبين أصوات ترتفع للدفاع عن الشعب الفلسطيني ومعاناته المستمرة.
تصريح يعيد رسم الحدود بين الإنسانية والسياسة
تصريحات ديلان ثيري جاءت لتكسر الصورة النمطية التي تحصر القضية الفلسطينية ضمن إطارها العربي أو الإسلامي فقط. فقد أكد من خلال كلماته أن ما يحدث في فلسطين يتجاوز الاعتبارات الدينية أو القومية، ليصبح اختبارًا حقيقيًا لقيم العدالة والإنسانية والضمير العالمي.
في زمن أصبحت فيه المصالح السياسية والاقتصادية تطغى على المبادئ، برزت هذه الكلمات كرسالة قوية إلى الغرب، الذي غالبًا ما يحاول تصوير القضية الفلسطينية على أنها نزاع إقليمي معقد لا يعني العالم بأسره. إلا أن الواقع يعكس صورة مختلفة تمامًا، حيث باتت مشاهد القصف والتدمير والمعاناة الإنسانية في غزة تثير غضب الشارع الغربي، وخصوصًا بين الشخصيات العامة والمثقفين الذين بدأوا يدركون أن السكوت عن الجرائم الإسرائيلية هو مشاركة غير مباشرة فيها.
ردود فعل واسعة..من التأييد إلى الهجوم
سرعان ما لقي تصريح ديلان ثيري تفاعلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث رحب أنصار القضية الفلسطينية بتصريحه الجريء، واعتبروه موقفًا مشرفًا يعكس تنامي الوعي العالمي بحقيقة الظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون.
على الجانب الآخر، لم يخلُ الموقف من هجوم شرس من اللوبيات المؤيدة لإسرائيل، والتي سارعت إلى انتقاد ثيري، متهمة إياه بتسييس موقفه. وكالعادة، تم توجيه التهم الجاهزة له، مثل "معاداة السامية" و"التحريض ضد إسرائيل"، وهو الأسلوب المعتاد لكل من يتجرأ على قول الحقيقة بشأن الاحتلال الإسرائيلي.
القضية الفلسطينية..من قضية سياسية إلى قضية إنسانية
لم تكن كلمات ديلان ثيري مجرد تصريح عابر، بل تعكس تحولًا مهمًا في النظرة العالمية تجاه القضية الفلسطينية. في الماضي، كان يتم تصوير هذا الصراع على أنه مجرد نزاع سياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو صراع ديني بين المسلمين واليهود، لكن اليوم، ومع تصاعد حملات التوعية العالمية، أصبح من الواضح أن القضية الفلسطينية هي قضية إنسانية بالدرجة الأولى، تتعلق بالعدالة، وحقوق الإنسان، ورفض الاحتلال، ورفض التطهير العرقي.
هذا التحول في الرؤية يعود إلى عدة عوامل، أبرزها:
التغطية الإعلامية المستقلة: بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح بالإمكان رؤية الحقائق على الأرض دون التلاعب الإعلامي الذي تمارسه القنوات الغربية التقليدية المنحازة لإسرائيل.
مواقف شخصيات عالمية: مثل تصريحات ديلان ثيري، وغيرها من مواقف فنانين ورياضيين وأكاديميين عالميين، الذين لم يعودوا يخشون التعبير عن دعمهم لفلسطين.
التأثير المتزايد للحركات الشبابية: الجيل الجديد في الغرب أصبح أكثر وعيًا، ويرفض الرواية الأحادية التي تبرر الاحتلال والقتل.
الانتهاكات المستمرة من إسرائيل: جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال بشكل يومي ضد الفلسطينيين أصبحت مكشوفة، ولم تعد هناك إمكانية لإخفائها أو تبريرها.
إسرائيل تفقد دعم الرأي العام الغربي
تصريحات مثل تصريح ديلان ثيري ليست استثناءً، بل أصبحت جزءًا من تيار متنامٍ داخل المجتمعات الغربية، حيث تتزايد الأصوات الرافضة للسياسات الإسرائيلية القمعية. ففي السنوات الأخيرة، شهدنا تغيرًا كبيرًا في الرأي العام الغربي، خاصة بين الشباب، الذين باتوا أكثر ميلًا لدعم القضية الفلسطينية بعد أن انكشفت أمامهم حقيقة الاحتلال.
في الولايات المتحدة، التي تُعتبر الحليف الأكبر لإسرائيل، أظهرت استطلاعات الرأي أن نسبة كبيرة من الشباب الأمريكي، بمن فيهم اليهود، أصبحوا ينتقدون سياسات إسرائيل ويعتبرونها نظام فصل عنصري.
الأمر نفسه ينطبق على أوروبا، حيث خرجت مظاهرات ضخمة في باريس ولندن وبرلين ومدريد دعماً لفلسطين، في مشهد كان من الصعب تخيله قبل سنوات قليلة فقط.
هل يكون ديلان ثيري بداية لموجة جديدة من الأصوات المؤثرة؟
مع تزايد الأصوات الغربية التي تتحدث بجرأة عن الحق الفلسطيني، يصبح السؤال الأهم: هل ستؤدي هذه التحركات إلى تغيير فعلي في السياسة الغربية تجاه إسرائيل؟
من الواضح أن هناك مقاومة شرسة من اللوبيات الإسرائيلية التي تحاول إسكات أي صوت مؤيد لفلسطين، سواء عبر التهديدات، أو اتهامات معاداة السامية، أو حتى الضغوط الاقتصادية والسياسية. لكن رغم ذلك، لم تعد هذه الأساليب ناجعة كما كانت في السابق، لأن الوعي الجماهيري يتنامى، ولم يعد بالإمكان حجب الحقيقة.
ديلان ثيري قد لا يكون أول من عبّر عن موقفه تجاه فلسطين، لكنه بلا شك جزء من حركة أكبر تتشكل داخل الرأي العام الغربي، حركة تتحدى السردية الصهيونية وتؤكد أن القضية الفلسطينية هي قضية كل من يؤمن بالحرية والعدالة وحقوق الإنسان.
صوت الحق أقوى من محاولات التكميم
في عالم يزداد وعيه يومًا بعد يوم، لم تعد القضية الفلسطينية قضية معزولة تخص شعبًا واحدًا فقط، بل أصبحت اختبارًا حقيقيًا لإنسانية العالم بأسره. تصريحات ديلان ثيري ليست مجرد كلمات عابرة، بل رسالة واضحة لكل من لا يزال مترددًا في الوقوف بجانب الحق، بأن فلسطين ليست مجرد أرض محتلة، بل رمز للنضال ضد الظلم والاستبداد في كل مكان.
ويبقى السؤال: هل سيكون العالم مستعدًا للوقوف في صف الإنسانية، أم أن المصالح السياسية ستظل هي الحَكم؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك