أنتلجنسيا المغرب:فهد الباهي/إيطاليا
تُعد الجالية المغربية المقيمة
بالخارج ركيزة اقتصادية واجتماعية أساسية للوطن، إذ تضخ تحويلات مالية ضخمة تزداد
بشكل لافت خلال شهر رمضان وجميع المناسبات الدينية وغيرها..، حيث يسعى أفرادها إلى
مد يد العون للأهل والأقارب، انطلاقًا من روح التكافل والتضامن التي يزكيها هذا
الشهر الفضيل، هذه التحويلات التي تُقدَّر بمليارات الدراهم سنويًا، لا تمثل فقط
دعما مباشرا للأسر المغربية، بل تشكل أيضًا مصدراً مهماً للعملة الصعبة التي تساهم
في استقرار الاقتصاد الوطني وتعزيز احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، مما يجعلها
عنصراً استراتيجياً في السياسة الاقتصادية للدولة.
مع تزايد هذه التحويلات خلال شهر
رمضان، تستفيد الخزينة العامة من تدفقات مالية تعزز التوازنات الماكرو- اقتصادية
وتُحرك عجلة الاستهلاك الداخلي، ما يجعل مساهمة المغاربة المقيمين بالخارج تتجاوز
الدعم العائلي لتصل إلى دعم الاقتصاد الوطني بشكل عام، ورغم هذه المساهمة الفعالة،
فإن أبناء الوطن في الخارج لا يزالون يواجهون تهميشًا في العديد من الملفات
المصيرية، أبرزها ضعف التمثيل السياسي داخل المؤسسات التشريعية، حيث يغيب صوتهم عن
قبة البرلمان، رغم أنهم يشكلون جزءًا لا يتجزأ من النسيج الوطني ولهم حقوق مشروعة
يجب أن تُترجم إلى سياسات عادلة تعكس دورهم الحقيقي.
تُعتبر قضية التمثيلية السياسية واحدة
من أكبر الهواجس التي تؤرق الجالية، إذ رغم المطالب المتكررة بإيجاد آلية تكفل لهم
المشاركة في صنع القرار الوطني، إلا أن هذا الحق الدستوري لا يزال معلقًا لأسباب
غير مفهومة، ورغم أن دولًا عديدة تتيح لمواطنيها المقيمين بالخارج دوائر انتخابية
خاصة، فإن المغاربة المقيمين في المهجر يُحرمون من هذه الفرصة، مما يجعلهم يشعرون
بالتجاهل رغم مساهماتهم الجبارة في تنمية البلاد.
فهل يُعقل أن يكون لأفراد الجالية ثقل اقتصادي
هائل دون أن يُسمح لهم بالتعبير عن تطلعاتهم السياسية داخل الوطن؟ .
إلى جانب التمثيل السياسي، تعاني
الجالية المغربية من مشاكل متعددة، أبرزها تعقيدات الإجراءات الإدارية داخل الإدارات
العمومية ذاخل أرض الوطن دون الأخذ بعين الإعتبار مدة الإجازة التي لا تسمح
للمهاجر التقسيم بين زيارة الأهل والأقارب وقضاء المأرب الإدارية.
وأيضا غياب سياسات واضحة لتسهيل
اندماجهم المهني والاستثماري داخل المغرب، فالكثير منهم يجدون صعوبة في الاستفادة
من برامج استثمارية تتناسب مع تطلعاتهم، ناهيك عن العراقيل القانونية والإدارية
التي تواجههم عند محاولة تأسيس مشاريعهم الخاصة داخل الوطن، ما يدفع العديد منهم
إلى العزوف عن ضخ رؤوس الأموال في المغرب والتوجه نحو دول أخرى أكثر انفتاحًا على
استثمارات جالياتها.
كما أن معاناة الجالية لا تتوقف عند
الجانب الاقتصادي والسياسي، بل تمتد إلى المجال الاجتماعي والثقافي، إذ لا تزال
هناك فجوة كبيرة بين الأجيال الجديدة من المغاربة المقيمين بالخارج والوطن الأم،
نتيجة ضعف البرامج التعليمية والتربوية الموجهة إليهم، وعدم وجود دعم كافٍ لتعزيز
هويتهم المغربية، سواء من خلال تعليم اللغة العربية أو ربطهم بالثقافة المغربية
عبر تكثيف مبادرات ثقافية وفنية مستدامة.
وفي ظل هذه الإشكالات، يصبح من
الضروري على الدولة تبني رؤية استراتيجية واضحة تُنصف هذه الفئة، وتضمن لها
ارتباطًا أكثر عمقًا بوطنها.
إن الجالية المغربية بالخارج ليست
مجرد مصدر للتحويلات المالية، بل هي امتداد طبيعي للوطن، وجسر حيوي يربط المغرب
بالعالم الخارجي، لذا، فإن الالتفات الحقيقي لمطالبها يجب أن يكون أكثر من مجرد
اعتراف رمزي بمساهماتها الاقتصادية، بل ينبغي أن يُترجم إلى سياسات ملموسة تعزز
تمثيلها السياسي، وتضمن حقوقها الإدارية والاقتصادية، وترسخ انتماءها الوطني.
فالمغرب في حاجة إلى أبنائه في الداخل
والخارج على حد سواء، ومن غير المقبول أن يُنظر إليهم فقط كمصدر للعملة الصعبة،
دون منحهم المكانة التي يستحقونها داخل مؤسسات الدولة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك