أنتلجنسيا المغرب:إدارة النشر
تعد البطالة في المغرب، واحدة من أبرز القضايا الاجتماعية والاقتصادية، التي تؤرق فئات واسعة من المجتمع، حيث تشكل تحديًا كبيرًا للحكومات المتعاقبة، التي غالبًا ما تعلن عن خطط وسياسات لخفض نسبتها، لكنها تظل مشكلة مستمرة في ظل التحولات الاقتصادية والديموغرافية.
ومع تزايد أعداد العاطلين عن العمل، وارتفاع نسبة البطالة بين الشباب وحاملي الشهادات، يتزايد التساؤل:هل أصبحت البطالة في المغرب أزمة بنيوية يصعب حلها؟
أرقام صادمة وتحديات مستمرة
تُظهر الإحصائيات الأخيرة الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط أن نسبة البطالة في المغرب تجاوزت 12% في بداية 2025، مع تسجيل ارتفاع ملحوظ في أوساط الشباب والنساء، حيث بلغت نسبة البطالة بين الفئة العمرية 15-24 عامًا أكثر من 30%. كما أن بطالة حاملي الشهادات الجامعية ظلت مرتفعة، إذ يعاني الآلاف من خريجي الجامعات والمعاهد العليا من صعوبة الاندماج في سوق العمل، مما يدفع بعضهم إلى البحث عن فرص في الخارج أو الالتحاق بوظائف لا تتناسب مع مؤهلاتهم.
أسباب البطالة..هل هي اقتصادية أم بنيوية؟
يرى خبراء الاقتصاد أن البطالة في المغرب ليست مجرد أزمة ظرفية مرتبطة بتقلبات السوق، وإنما أصبحت أقرب إلى أزمة بنيوية ناتجة عن عدة عوامل متداخلة، من أبرزها:
- ضعف النمو الاقتصادي: رغم تحقيق المغرب معدلات نمو تتراوح بين 2% و4% سنويًا، إلا أن هذه النسب لا تكفي لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الداخلين الجدد إلى سوق العمل.
- غياب التصنيع الكافي: لا تزال الصناعات التحويلية ضعيفة مقارنة بدول أخرى، ما يقلل من فرص خلق وظائف جديدة.
- مشاكل في النظام التعليمي والتكوين المهني: يواجه التعليم الجامعي والتقني تحديات كبيرة في مواكبة حاجيات السوق، حيث يعاني الكثير من الخريجين من فجوة بين ما يدرسون وما يتطلبه سوق العمل.
- البيروقراطية وضعف الاستثمار: تعاني المقاولات الناشئة والمستثمرون من صعوبات إدارية وبيروقراطية تجعل من الصعب خلق مشاريع قادرة على توفير فرص عمل جديدة.
هل فشلت الحكومة في التعامل مع الأزمة؟
تعهدت حكومة عزيز أخنوش خلال حملتها الانتخابية بخفض معدل البطالة إلى أقل من 10% بحلول 2026، عبر مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية والمشاريع التنموية، لكن الواقع يظهر أن الوضع يزداد تعقيدًا. فعلى الرغم من بعض المبادرات مثل "برنامج أوراش" و"فرصة"، فإن تأثيرها ظل محدودًا، حيث لم تحقق النتائج المرجوة في استيعاب الأعداد الكبيرة من العاطلين.
كما أن الحكومة تواجه تحديات إضافية تتعلق بارتفاع أسعار المعيشة، وركود بعض القطاعات الحيوية مثل السياحة والفلاحة نتيجة عوامل خارجية، مما أثر على قدرة الشركات على التوظيف. بالإضافة إلى ذلك، لم تنجح الحكومة في تحفيز الاستثمارات الكبرى بشكل يكفي لخلق مناصب شغل مستدامة.
الحلول الممكنة للخروج من الأزمة
لتجاوز أزمة البطالة، يرى الخبراء ضرورة تبني مقاربة شاملة تتضمن:
- إصلاح التعليم والتكوين المهني: من خلال توجيه المناهج الدراسية نحو المهارات المطلوبة في السوق.
- تشجيع المقاولات الناشئة والاستثمار: عبر توفير تسهيلات ضريبية وإدارية لدعم المشاريع الصغرى والمتوسطة.
- تعزيز القطاعات الواعدة: مثل الطاقات المتجددة، والصناعات التكنولوجية، والاقتصاد الرقمي، لما لها من قدرة على خلق وظائف جديدة.
- تحفيز الاستثمار الأجنبي: لجذب الشركات الكبرى القادرة على خلق مناصب شغل مباشرة وغير مباشرة.
- محاربة الفساد الإداري: الذي يعيق مسار الاستثمار ويضعف فرص نمو الاقتصاد.
البطالة بين الواقع والمستقبل
في ظل هذه التحديات، تبقى البطالة في المغرب معضلة تحتاج إلى إصلاحات عميقة بدل الحلول الترقيعية المؤقتة. وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات جذرية لمعالجة الأسباب البنيوية للمشكلة، فإن معدلات البطالة ستستمر في الارتفاع، مما قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في السنوات القادمة. فهل تستطيع الحكومة الحالية تغيير المعادلة، أم أن البطالة ستظل أزمة مزمنة في المغرب؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك