فضيحة فساد مالي: مسؤولون ورؤساء جماعات في مرمى تحقيقات غسل الأموال

فضيحة فساد مالي: مسؤولون ورؤساء جماعات في مرمى تحقيقات غسل الأموال
جرائم وحوادث / الأربعاء 26 فبراير 2025 09:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغـــرب / الربـــاط

تتواصل جهود السلطات القضائية المغربية لتضييق الخناق على المتورطين في قضايا الفساد المالي، حيث أحالت النيابات العامة بمحاكم الاستئناف المختصة في جرائم الأموال عشرات الملفات إلى المحاكم المتخصصة في جرائم غسل الأموال بكل من الرباط والدار البيضاء ومراكش وفاس، هذه الملفات تخص مسؤولين وموظفين عموميين، بالإضافة إلى رؤساء جماعات ترابية، تورطوا في قضايا تبديد واختلاس أموال عمومية والارتشاء.

وفي إطار تعزيز آليات المحاسبة، قررت النيابة العامة فتح تحقيقات مالية موازية، استنادًا إلى مقتضيات القانون رقم 12-18 المتعلق بمكافحة غسل الأموال. ويهدف هذا الإجراء إلى تتبع مسار الأموال المختلسة وكشف عمليات التبييض المحتملة، مما يسمح بمصادرة العائدات غير المشروعة ومنع التصرف فيها، وتماشياً مع هذه الجهود، أولت رئاسة النيابة العامة أهمية خاصة لهذا الملف، حيث أعطت توجيهات واضحة للنيابات العامة لتكليف الشرطة القضائية بإجراء تحقيقات مالية معمقة، تشمل جرد ممتلكات المتهمين، سواء العقارية أو المنقولة، وتحليل حساباتهم البنكية لمعرفة مدى ارتباطها بالأموال المختلسة.

وفي سبيل تدعيم هذه التحريات، يمكن للنيابة العامة الاستعانة بالهيئة الوطنية للمعلومات المالية التي توفر بيانات دقيقة حول مسارات الأموال المشبوهة، كما تُفعَّل إجراءات الحجز والتجميد على الأموال ذات الصلة بالجريمة، مع مراعاة ضمان حقوق الأطراف الأخرى غير المتورطة في القضايا قيد التحقيق.

مشروع قانون لإحداث وكالة متخصصة في إدارة الأموال المصادرة

وفي سياق متصل، تعمل وزارة العدل على إخراج مشروع قانون يهدف إلى إحداث الوكالة الوطنية لتدبير وتحصيل الأموال والممتلكات المحجوزة والمصادرة والغرامات، وذلك لمواكبة ارتفاع أحكام المصادرة الصادرة عن الأقسام المتخصصة في جرائم غسل الأموال. هذا المشروع يندرج ضمن استراتيجية أوسع لتطوير آليات العدالة الجنائية وتحقيق فعالية أكبر في تتبع العائدات الإجرامية، بدءًا من رصد الأموال والممتلكات المشبوهة، مرورًا بإجراءات الحجز والتجميد، وصولًا إلى مصادرتها بشكل نهائي لصالح خزينة الدولة.

ويعكف خبراء بوزارة العدل على مراجعة وتعديل هذا المشروع بناءً على ملاحظات تلقتها الوزارة من مختلف القطاعات المعنية، مع إضافة صلاحيات جديدة للوكالة، تشمل تحصيل الغرامات المالية الناتجة عن الأحكام القضائية المتعلقة بجرائم الفساد المالي، ومن المنتظر أن يُحال المشروع على وزارة المالية للحصول على الموافقة النهائية قبل اعتماده رسميًا.

إجراءات صارمة لاسترداد الأموال العامة

تزامنًا مع هذه الإصلاحات، تقدمت الوكالة القضائية للمملكة، التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، بطلبات قضائية لحجز أموال وممتلكات مسؤولين سابقين، بينهم برلمانيون ورؤساء جماعات وموظفون عموميون، سبق أن أدينوا في قضايا فساد مالي، وتتم هذه العملية بالتنسيق مع الجهات المختصة، لضمان استعادة الأموال المنهوبة ومنع تهريبها أو إخفائها.

وفي إطار تعزيز فعالية استرداد الأموال العامة، تم إحداث لجنة مركزية على مستوى رئاسة النيابة العامة برئاسة الحسن الداكي، بالإضافة إلى لجان جهوية على مستوى محاكم الاستئناف، يشرف عليها الوكلاء العامون للملك، وتضم هذه اللجان ممثلين عن وزارة الاقتصاد والمالية، المديرية العامة لإدارة الجمارك، الخزينة العامة للمملكة، المديرية العامة للضرائب، ومديرية أملاك الدولة. وتهدف هذه اللجان إلى تسهيل تنفيذ الأحكام القضائية المتعلقة بجرائم الفساد المالي، وتنسيق الجهود بين مختلف الأطراف لضمان عدم تهريب الممتلكات أو إخفائها.

آليات فعالة لتتبع الأصول المشبوهة

لم تقتصر الجهود على متابعة المتورطين قضائيًا، بل امتدت إلى اتخاذ تدابير احترازية لمنع تهريب أو تفويت الأموال والممتلكات المشبوهة. وتضطلع الوكالة القضائية للمملكة بمهمة مراقبة المساطر القضائية والانتساب كطرف مدني للمطالبة بحق الدولة في استرداد الأموال المختلسة. كما تقوم الوكالة بإجراءات موازية تشمل البحث في الذمة المالية للمتهمين، سواء تعلق الأمر بالعقارات أو الحسابات البنكية أو الأسهم أو الودائع المالية، بالتنسيق مع مختلف المؤسسات المالية والإدارية، بما في ذلك المحافظات العقارية، السلطات المحلية، البنوك، والسجلات التجارية.

وفي حال تم التحقق من وجود ممتلكات أو أموال مرتبطة بقضايا الفساد، يتم فرض حجوزات تحفظية لضمان عدم التصرف فيها، سواء عبر البيع أو التنازل. وعند صدور الأحكام القضائية النهائية، يتم تحويل هذه الحجوزات إلى إجراءات تنفيذية، تمهيدًا لبيعها في المزاد العلني واسترجاع الأموال المختلسة لصالح خزينة الدولة.

تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد

تشكل هذه التدابير جزءًا من استراتيجية وطنية أشمل لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، في ظل تزايد الإدانات الصادرة بحق مسؤولين تورطوا في تبديد المال العام. وتراهن السلطات القضائية والجهات الرقابية على التطبيق الصارم لهذه الإجراءات، ليس فقط لاستعادة الأموال المنهوبة، ولكن أيضًا لردع المتورطين وإرساء ثقافة المساءلة في تدبير الشأن العام.

ومع تكثيف التحقيقات الجارية، يبدو أن حملة مكافحة الفساد المالي وغسل الأموال قد دخلت مرحلة أكثر صرامة، تؤشر على عزم الدولة على الحد من الإفلات من العقاب وتعزيز الثقة في المؤسسات القضائية والرقابية.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك