بقلم:نعيمة لحروري
من جديد يعود النقاش حول عيد الأضحى في المغرب، في ظل أزمة خانقة يعيشها القطيع الوطني بفعل سنوات الجفاف وغلاء الأعلاف. السؤال الذي يتكرر بإلحاح: هل نحن في حاجة إلى إلغاء عيد الأضحى هذه السنة؟ لكن قبل القفز إلى استنتاجات، علينا أن نتساءل: هل الاكتفاء بقرار الإلغاء دون معالجة مكامن الخلل في قطاع تربية الماشية هو الحل، أم أنه مجرد هروب من مواجهة الحقيقة؟
إلغاء شعيرة عيد الأضحى قد يبدو خطوة منطقية بالنظر إلى الوضع الراهن، لكن هل يكفي هذا القرار لوحده لمعالجة أزمة القطيع الوطني؟ الواقع أن الأسباب التي أوصلتنا إلى هذه الحالة أكثر تعقيدا من مجرد جفاف موسمي أو غلاء طارئ. نحن أمام سياسات فلاحية مختلة، وإدارة غير شفافة للموارد، ومغالطات تمارسها أطراف تدعي تمثيل مربي الماشية، لكنها في الحقيقة تعطل كل محاولة لإنقاذ القطاع.
في قلب هذا الجدل تقف الجمعية الوطنية لمربي الأغنام والماعز، تلك الجمعية التي نصبت نفسها مرجعا للأرقام والمعطيات الخاصة بالقطيع الوطني. ولكن، كيف يمكن الوثوق بأرقامها، وهي تصر على تضخيم حجم القطيع من بعض السلالات، بينما يعاني الكسابة من شح الإمكانيات؟ كيف يُفسَّر مثلا حديثها عن قرابة مليوني رأس من سلالة "بني كيل"، في الوقت الذي يؤكد فيه المهنيون أن العدد الحقيقي لا يتجاوز خمسين ألفا؟ هذه الأرقام ليست مجرد مبالغات، بل هي مغالطات تربك التخطيط الفلاحي وتؤدي إلى سياسات فاشلة، يتحمل كلفتها المواطن الفقير قبل الكساب البسيط.
الأدهى من ذلك أن الدعم الذي تقدمه الدولة بناء على هذه الأرقام يذهب إلى جيوب لا علاقة لها بالكساب الصغير الذي يواجه وحده أعباء الجفاف والغلاء. في المقابل، يتم تجاهل سلالات محلية مثل سلالة الأغنام البيضاء بجهة الشرق، التي تمثل أكثر من 90% من قطيع المنطقة. لماذا يتم تهميش هذه السلالة، رغم أهميتها الاقتصادية؟ يبدو أن الجمعية الوطنية لمربي الأغنام والماعز تمارس سياسة إقصاء ممنهجة تخدم مصالح محددة، دون اعتبار للحقيقة أو للعدالة.
إذا كان الهدف من إلغاء عيد الأضحى هو حماية القطيع الوطني، فإن الأمر لا يتوقف عند تعليق الشعيرة. علينا أن نواجه الأسباب التي جعلت القطيع في هذا الوضع الهش: ضعف الرقابة على الدعم الموجه للمربين، تهميش بعض السلالات المحلية مثل سلالة الأغنام البيضاء، وغياب سياسات فعالة لتطوير القطاع وتحقيق العدالة بين مربي الماشية. إلغاء الشعيرة دون إصلاح هذه الاختلالات يعني أننا نحاول معالجة العَرَض دون علاج المرض.
التاريخ يذكرنا بأن المغرب سبق أن ألغى عيد الأضحى في سنوات الجفاف، ليس فقط لحماية القطيع، ولكن لإظهار الحكمة في التعامل مع الأزمات. ولكن تلك القرارات لم تكن نهاية المشكلة، بل كانت فرصة ضائعة لمراجعة عميقة للقطاع. واليوم، إذا أردنا أن نحقق تغييرا حقيقيا، فعلينا أن نكون شجعانا في مواجهة مكامن الخلل.
إن استمرار الجمعية الوطنية لمربي الأغنام والماعز في تقديم أرقام زائفة يضع الدولة أمام مسؤولية أخلاقية وإدارية لمراجعة كل السياسات المرتبطة بهذا القطاع. إذا لم نتخذ خطوات صارمة لضمان الشفافية ومحاسبة المتلاعبين، فإن أي قرار، حتى لو بدا شجاعا، سيظل منقوصا وغير ذي جدوى.
عيد الأضحى ليس مجرد شعيرة دينية، بل هو مرآة تُظهر لنا واقعنا الاقتصادي والاجتماعي. إذا كانت هذه المرآة تعكس اختلالات عميقة، فلا يمكننا أن نكسرها ونهرب من صورتنا، بل نحن في حاجة إلى معالجة جذرية للأسباب التي جعلت من هذه الشعيرة عبئا بدل أن تكون مناسبة للفرح والتضامن. عيد الأضحى يجب أن يعود إلى جوهره الحقيقي: شعيرة للتكافل، وليس مسرحية تُذبح فيها الحقيقة وتُترك الجروح مفتوحة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك