امرأة قروية تبرع في تسويق زيت الزيتون

امرأة قروية تبرع في تسويق زيت الزيتون
مستجدات / الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:29:03 / لا توجد تعليقات:

مغربنا 1 المغرب

في ركن منعزل بقرية تيموليلت بإقليم أزيلال وبين منازل متناثرة وسط حقول أشجار الزيتون الكثيفة، اختارت فتيحة مبروكي (60 عاما) رفقة عدد من نساء القرية تأسيس تعاونية “تيمات” الفلاحية لتسويق زيت الزيتون ومنتجاته.

في قرية تيموليلت التي تبعد عن عاصمة جهة بني ملال خنيفرة بـ21 كيلومترا وعن أزيلال بـ70 كيلومترا، يعيش الناس واقعا اجتماعيا هشا تؤثثه مشاهد الفقر البادية على أهالي هذه البلدة الجاثمة تحت قدم جبال الأطلس المتوسط؛ ما دفع بالعديد من الشباب والنساء إلى البحث عن حلول فردية بديلة لتحسين دخلهم والهروب من جحيم البطالة الذي يقوض أحلامهم.

النساء في القرية يعشن وضعا صعبا شأنهن شأن الشباب المعطل أمام انعدام فرص الشغل. ويعدُ قطاع الفلاحة بالمنطقة مصدر عيش الساكنة والمشغل الرئيسي لليد العاملة، حيث تنشط الحركة بالمنطقة بشكل ملحوظ خلال موسم جني الزيتون الذي يجلب النساء والرجال على حد سواء.

فتيحة الستينية، واحدة من بدويات القرية، تستيقظ باكرا استعدادا ليومها الجديد. وبعد أن تنهي أشغال البيت وإعداد وجبة الفطور لزوجها ولأبنائها، تتوجه إلى مقر التعاونية غير البعيد عن مقر سكناها، وهي كلها أمل في أن تمضي مع زميلاتها أوقاتا جميلة ملؤها النشاط والحيوية في إعداد غلة الزيتون واستقبال الزبناء الذين يزورون التعاونية من مختلف مناطق المغرب لاقتناء منتجاتها التي تلقى إقبالا في السوق.

تتقاسم فتيحة العمل مع زميلاتها وكأنهن خلية نحل، لا تتوقف عن الحركة في اركان التعاونية إلا أثناء تناول وجبة الغذاء المكونة غالبا من حبات زيتون وزيت وخبز وشاي، حيث ينكب الجميع على العمل على حفظ الزيتون بشكل طبيعي وتوفير منتوج زيتون المائدة الأحمر والأخضر والأسود وكذلك الزيت البكر الممتاز بوتيرة متواصلة إلى ما بعد صلاة العصر من كل يوم.

“شكل تأسيس تعاونية تيمات الفلاحية بالنسبة لي متنفسا للهروب من واقع الفقر والتهميش، من أجل تحقيق ما كان يتراءى لي حلما بعيد المنال”، تسرد فتيحة قصتها، وهي تتذكر الأيام العجاف التي قضتها بين الحقول الزراعية خلال فترة مرض زوجها الجندي المتقاعد.

ثم تضيف: “قبل إحالة زوجي على التقاعد وتعرضه لوعكة صحية، كانت ظروف عيشي جيدة، وكان بيتي لا يتوقف عن استقبال الأحباب والجيران؛ لكن بسبب تكلفة العلاج وفي غياب دخل كاف تحولت حياة أسرتي إلى جحيم يومي”.

عانت فتيحة كثيرا خلال مرض زوجها، وانقلبت حياتها رأسا على عقب، فاضطرت إلى أن تواجه تكاليف الحياة بإصرار كبير وصمود منقطع النظير وفق ما حكته زميلاتها في التعاونية لهسبريس.

“وجدت نفسي مجبرة على الخروج إلى العمل لأول مرة في حياتي في الضيعات الفلاحية، كغريب تطأ قدماه جزيرة معزولة.. كان الخوف يقبض أنفاسي، ومع ذلك كنت مُصرة على اقتحام هذا العالم لضمان قوت أطفالي الذين من ضمنهم اثنان وضعية إعاقة”، تواصل فتيحة وصفها لجزء من حياتها الصعبة والدموع تغالبها.

وتسترسل في الحديث: “كان والدي يحكي لنا أن من ليس له نقود يتعثر في أوتاد قيطان السوق، وحصل ذلك معي في يوم كنت قاصدة فيه السوق، وأنا خاوية الوفاض، فاستحضرت قوله، وعدت إلى البيت باكية ثم قررت الخروج إلى الموقف للعمل في الحقول الزراعية. كان ذلك بالنسبة لي تحديا كبيرا”.

واجهت فتيحة، وفق ما حكته لهسبريس، معاناة بحجم الجبل؛ فزوجها كان مقبلا على إجراء عمليتين جراحيتين، وهو الذي لا يتجاوز معاشه الشهري 1500 درهم، واثنان من أبنائها يعانيان من الصم والبكم، وما وفّرته طيلة سنوات صرفته من أجل علاج زوجها وتوفير قوتها اليومي دون أن تتلقى يد المساعدة.

كان “الموقف” (مكان يقصده الناس للعمل) هو الملجأ الوحيد الذي احتضن فتيحة في الوهلة الأولى، وهي تدرك أن شروط العمل في الضيعات الفلاحية قاسية ولا إنسانية، وأن العمل فيها مرهق ومتعب، ومنه ما يدمي الأيدي بأجور هزيلة لا تتجاوز 50 درهما في اليوم حيث تقضي أزيد من 12 ساعة في العمل.

تقول فتيحة: “كمبتدئة في هذا المجال كنت لا أطيق العمل في الضيعات الزراعية وأجد صعوبة في تحمل قسوة أرباب الحقول ومعاملاتهم للنساء العاملات اللواتي كنّ يتعرضن لأبشع صور الاستغلال، حيث كن “”يحشرن” في شاحنات دون مراعاة لحقوقهن ووضعهن الاجتماعي”.

شكل هذا الوضع حافزا لفتيحة مبروكي إلى التفكير في بديل من أجل تحسين ظروف عيشها، فكان انخراطها في تعاونية تيمات الفلاحية فاتحة خير وبداية مرحلة جديدة في حياتها، حسب ما أسرت به لجريدة هسبريس الإلكترونية.

في شهر مارس من عام 2008، دعتني سيدة من القرية إلى الالتحاق بجمعية محلية لتسويق الأرانب. وبما أن الأمل في تغيير حياتي كان يحذوني في كل وقت، قبلت على الفور كل شروط الانخراط، وكانت تلك هي الخطوة الأولى على درب النجاح قبل الالتحاق بزميلاتي بتعاونية لتثمين منتوج الزيتون.

تقول فتيحة في هذا الصدد: “بدأنا نشتغل في منزل عادي لا يتوفر على الماء والكهرباء؛ ومع ذلك كنا نستمتع بما نقوم به.. كان الحلم في الانفلات من عجرفة أصحاب الضيعات الفلاحية والتعطش إلى تأسيس أعمال حرة خاصة بنا يجعلانا نشتغل في كل الظروف بلا مقابل”.

“منذ التحاقي بتعاونية تيمات، التي تضمّ 20 منخرطا من ضمنهم 15 امرأة، تغيرت حياتي بشكل ملحوظ وازداد شغفي بما كنتُ أقوم به، وأصبح التحدي بالنسبة لي مقتصرا على مدى نجاحي في تحقيق استقلاليتي في العمل وفي مدى قدرتي على توفير لقمة عيش لأسرتي والإسهام مع زميلاتي في التنمية المحلية من خلال إنجاح المشروع”، تروي فتيحة لهسبريس.

وتستطرد المرأة الستينية: “بفضل برامج التنمية البشرية ودعم المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي والغرفة الجهوية للفلاحة والسلطات الولائية ومكتب التنمية الاجتماعية والاقتصادية ووكالات التنمية والمجالس المنتخبة…، تمكنت التعاونية من ضمان وجودها على نطاق واسع، على الرغم من المنافسة الوطنية؛ مما أهلها إلى المشاركة في العديد من المعارض المغاربية والدولية، خاصة بفرنسا وسويسرا والامارات وتونس والمغرب”.

وبلغة مفعمة بأوجاع الزمن الماضي، تبوح فتيحة لهسبريس أنها لم تكن تحلم أبدا وهي التي ترعرعت في قرية تشكو من كل أشكال التهميش بأنها ستسافر يوما على متن طائرة نحو بلدان أجنبية أو أن تستلم من يد عزيز أخنوش، وزير الفلاحة حينذاك، ميدالية ذهبية بمعرض الفلاحة بمكناس.

“كان ذلك حلما بالنسبة لي وأصبح حقيقة، وفي الوقت نفسه كان حافزا من أجل مواصلة العطاء وتطوير الذات رفقة زميلاتي في التعاونية”، تواصل فتيحة حكيها لهسبريس والبسمة تعلو محيّاها.

وتلتمس فتيحة باسم كل نسوة التعاونية من كافة الجهات المتدخلة في التنمية دعم مبادرتهن التنموية للخروج من الفقر الذي ينخر القرية، إسوة بباقي التعاونيات التي تمكنت من انتشال مئات النساء في وضعية الهشاشة وإدماجهن في المجتمع.

عن هسبريس

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك