أنتلجنسيا مغربنا 1-Maghribona 1 / بقلم : أمين سامي خبير في الاستراتيجية وقيادة التغيير للشركات والمؤسسات.
تُظهر نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لعام 2024 ديناميكية ديموغرافية ملحوظة في المغرب، مع تمركز معظم السكان في المدن الكبرى والمناطق الحضرية. وبالتالي يمكن قراءة هذه الأرقام من عدة زوايا اقتصادية واجتماعية وتنموية، في إطار نسقي ومنظومة نسقية متفاعلة فيما بينها، مع الأخذ بعين الاعتبار المحاور الأربع الكبرى للتحليل والنقاش، وبالتالي يجب الأخذ بعين الاعتبار عدة أمور في النقاش والتحليل. فهاته القراءة تعتبر أولية وليست نهائية بغية تسليط الضوء على الأرقام المستخرجة من العملية الإحصائية، لسنة 2024، وبالتالي فقراءة الأرقام إحصاء 2024، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار المحاور الأربع الكبرى كما سبق الذكر وهي : أولا، المبادئ الأربع المؤطرة للعملية الإحصائية التي جاءت في الرسالة الملكية للملك محمد السادس نصره الله والموجهة للسيد رئيس الحكومة وتتمثل في : الديمقراطية السياسية والنجاعة الاقتصادية و التنمية البشرية و التماسك الاجتماعي والمجالي. ثانيا، النموذج التنموي للمغرب 2035، ومحركات تغيير النموذج التنموي وتحليل السرعات والتفاعلات بين مختلف القطاعات، والالتقائية بين السياسات العمومية والاستثمارات سواء داخليا ام خارجيا، وسواء قطاع عام أم قطاع خاص. ثالثا، أهداف التنمية المستدامة ال 17 لسنة 2030، خاصة أن المغرب بقيادة صاحب الجلالة أخذ على عاتقه العمل على تنزيل أهداف التنمية المستدامة على أرض الواقع من خلال مختلف البرامج والمشاريع والأوراش المسطرة والتي يعرفها المغرب. رابعا، اقتصاد البيانات والاقتصاد الرقمي والتحولات العالمية وتغيير النموذج التنموي العالمي من خلال بداية الانتقال من النموذج المعتمد على الطاقة الأحفورية، إلى النموذج الجديد المتجه نحو الاستدامة واقتصاد البيانات وتكنولوجيات القطيعة. كل هذه الأمور يجب استحضارها أثناء قراءة نتائج المعطيات الإحصائية لإحصاء 2024، وربطها مع بعضها البعض لاكتمال الصورة والرؤية بشكل أوضح. وفيما سأستعرض بعض النقاط الأولية التي يمكن تحليلها في ظل المعطيات الحالية الأولية : 1. نمو السكان وتوزيعهم في المدن: تُهيمن المدن السبع الكبرى على حوالي 38٪ من سكان المغرب، وبالتالي هذا يعكس تركيزاً كبيراً للسكان في المناطق الحضرية، خاصة يُظهر أن هذا التمركز في المدن الكبرى كالدار البيضاء (أكثر من 3 ملايين) وطنجة وفاس ومراكش، والرباط يعد مؤشراً على الدور الاقتصادي والاستراتيجي لهاته المدن وفعاليتها الاقتصادية والاجتماعية كمراكز جذب سكاني نظراً لوجود فرص العمل والخدمات المتاحة، والمتطورة بشكل كبير مقارنة بباقي المناطق. كما أن وجود أربع مدن مليونية يشير إلى تحول المغرب نحو زيادة حضرية مهمة، وهو ما يتماشى مع الاتجاهات العالمية للتحضر،وبالتالي يجب العمل على تنزيل ومواكبة الخطة الحضرية الجديدة والتي تتمثل في تعزيز الاستدامات الأربع وهي : الاستدامة المكانية، والاستدامة الاقتصادية، والاستدامة الاجتماعية، والاستدامة البيئية، مع الاخذ بعين الاعتبار خصوصية وثقافة المغرب والمجتمع المغربي، وبالتالي هذا يفرض علينا الانتباه ورصد الإشارات بشكل كبير من أجل إعداد خطط تنمية حضرية متعددة بديلة، من أجل استيعاب هذا التوسع الحضري مستقبلا، وتوجيه الموارد بشكل مضبوط ودقيق جدا والعمل على تشجيع الاستثمارات المنتجة كما أشار ذلك جلالة الملك في خطاباته، وتحفيز وتحريك القطاعات الواعدة والمستقبلية خاصة الرقمنة والذكاء الاصطناعي، البيانات الضخمة وتعزيز الأمن السيبراني وإدخال التكنولوجيات الحديثة في مختلف القطاعات لاستيعاب هذا التحول المستقبلي. 2. النمو السكاني وتباطؤه: يشير معدل النمو السنوي للسكان في المغرب إلى انخفاضٍ ملحوظ من 1.25٪ بين 2004 و2014 إلى 0.85٪ بين 2014 و2024. وبالتالي يمكن تفسير هذا التباطؤ بتحولات سكانية وديموغرافية تتضمن انخفاض معدلات الولادة وتحسن ظروف الصحة العامة، والتعليم والسكن، مما قد ينعكس في تغير التركيبة السكانية مستقبلا، وقد يساهم في تقليص نسبة الشباب مقابل زيادة نسبة كبار السن في العقود القادمة. 3. زيادة الأجانب بالمملكة: حيث شهد عدد الأجانب المقيمين بالمغرب زيادة سنوية تقدر بنسبة 5.6٪، مما يعكس ارتفاعاً في جاذبية المغرب كوجهة للعمل والاستقرار، ويعزز من مناخه الاستثماري وطنيا وترابيا ويشجع على التطور والتقدم وتحقيق الرفاه الاقتصادي، كما أن ارتفاع زيادة عدد الأجانب بالمغرب يعتبر مؤشرا إيجابيا جدا لما يتوفر عليه المغرب، من عوامل اقتصادية واستثمارية وتشريعات تشجع على الهجرة العمالية والدراسية إلى المغرب، وأيضا المغرب كبلد حاضن للاستثمارات الأجنبية ومنصة قارية في مختلف المجالات وبوابة افريقيا نحو أوروبا، كما أن الزيادة في عدد الأجانب تساهم في تعزيز التنوع الثقافي وتسهم في زيادة الطلب على خدمات معينة. 4. التوسع الحضري مقابل الاستقرار القروي : ارتفاع نسبة السكان الحضريين بنسبة نمو 1.24٪ سنوياً مقارنة بنمو أقل في المناطق القروية ب (0.22٪) يعكس جاذبية المدن فيما يتعلق بالفرص الاقتصادية والخدمات، مع استقرار نسبي في المناطق القروية. وبالتالي يعزز هذا التوجه الحاجة إلى تطوير وتنمية المناطق القروية للحد من الهجرة القروية، والعمل على دفع الاستثمارات العمومية والاستثمارات الأجنبية في الوسط القروي وخلق طبقة متوسطة في العالم القروي كما أشار جلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطاباته، من أجل تحقيق توازن تنموي بين المناطق، والعمل على خلق التوازن المجالي بين المناطق خاصة أن التنمية الترابية في اعتقادي الشخصي يجب أن تكون مترابطة ومنفصلة ومتكاملة مع بعضها البعض في إطار نسقي. 5. توزيع السكان حسب الجهات: تتوزع 71.2٪ من سكان المغرب في خمس جهات كبرى، وهي الدار البيضاء-سطات، الرباط-سلا-القنيطرة، مراكش-آسفي، فاس-مكناس، وطنجة-تطوان-الحسيمة. تعكس هذه المناطق النشاط الاقتصادي والصناعي والتجاري الكبير. في المقابل هناك جهات تتوفر على موارد طبيعية مهمة وعلى تموقع استراتيجي كجهة خنيفرة بني ملال، و جهة درعة تا فيلات و جهة كلميم واد نون، ... يمكن أن تحقق هاته الجهات عوائد استثمارية مهمة جدا اذا تم التركيز عليها بشكل أكبر مثل باقي الجهات الأخرى، والتسويق لها جيدا في الملتقيات والمنتديات الاقتصادية العالمية، كجهات واعدة ومستقبلية في مجال الاستثمار المنتج لما تتوفر عليه من موارد وخصوصيات يمكن أن تكون رافعة للاستثمار المحلي ومحرك للعجلة الاقتصادية محليا ووطنيا ولما لا دوليا، خاصة أن الدولة تقوم بعمل كبير وجبار في مجال الاستثمار وجلب المستثمرين سواء الوطنيين أو الأجانب.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك