نبش في الذاكرة ...كيف منع الملك الراحل الحسن الثاني من إندلاع حرب بين تونس والجزائر

نبش في الذاكرة ...كيف منع الملك الراحل الحسن الثاني من إندلاع حرب بين تونس والجزائر
مستجدات / الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:29:03 / لا توجد تعليقات:

انتلجنسيا مغربنا 1- k /A Maghribona 1 نشرت وكالة “سبوتنيك” الروسية للأخبار، فبراير 2022، مقالا حمل عنوان “من الصخيرات إلى بوزنيقة.

أدوار لعبها المغرب في الأزمة الليبية”، كله مدح للدور الذي لعبته الدبلوماسية المغربية في الأزمة الليبية، وذكرت الوكالة الروسية من خلال المقال، أن المغرب حمل طوال سنوات الصراع الليبي على عاتقه، وعمل على إمكانية الوصول إلى حل “سلمي وسطي” يرضي جميع أطراف الصراع الداخلية، كما جاء ضمن نفس المصدر، أن المملكة المغربية حثت جميع الأطراف المتصارعة على طي صفحات الخلاف، والجلوس إلى طاولة الحوار.

ورد ضمن المقال التحليلي الذي أنجزته الوكالة الروسية “سبوتنيك”، أن المحاولات المغربية الحثيثة لإيجاد حل للأزمة الليبية بدأت منذ اندلاع الحرب الأهلية الليبية الثانية عام 2014، وتصاعد الصراع بين قوى طرابلس وبنغازي، وبالفعل قرر المغرب استضافة أطراف الصراع في مدينة الصخيرات ضواحي العاصمة الرباط، وتمكن من الوصول إلى اتفاق برعاية الأمم المتحدة بتاريخ 17 دجنبر 2015.

وعادت المملكة مجددا إلى الواجهة باستضافة جولة جديدة من المفاوضات بين الأطراف والقوى السياسية الفاعلة في ليبيا بدء من أبريل 2018، ثم استقبلت بعد ذلك عدة لقاءات جمعت الفرقاء الليبيين، كان آخرها اجتماع اللجنة المشتركة “6+6″، المكلفة من قبل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبية بإعداد القوانين الانتخابية، والتي اختتمت أعمالها قبل أيام قليلة بتوقيع “اتفاق بوزنيقة”، وذلك بعد أكثر من أسبوعين من المفاوضات المغلقة بمدينة بوزنيقة.

والواقع، أنه ليست هذه هي المرة الأولى التي يلعب فيها المغرب دورا محوريا في الوساطة بين بلدان المغرب العربي.

فقد سبقت الوساطة في الملف الليبي مجهودات قامت بها المملكة خلال سنوات ثمانينات القرن الماضي من أجل تأسيس تكتل المغرب العربي، وهو ما نجح فيه سنة 1989، خلال قمة مراكش، التي تم فيها الإعلان عن ميلاد اتحاد المغرب العربي.

وقبل ذلك بكثير، كانت هناك وساطة مغربية مهمة بين تونس والجزائر في بداية سنة 1963، ولولا التدخل المغربي لوقعت الكارثة ودخل البلدان في حرب.

ونستعرض لقرائنا هذه الأحداث من خلال نشر وثائق تنفرد جريدتكم “الأسبوع الصحفي” بنشرها لأول مرة، وهي عبارة عن رسائل بين الملك الراحل الحسن الثاني، وأول رئيس في تاريخ الجارة الشرقية أحمد بن بلة، وكذلك بينه وبين أول رئيس في تاريخ الجمهورية التونسية، الحبيب بورقيبة.

الرسالة التي عرض من خلالها الحسن الثاني الوساطة المغربية على رئيس الجمهورية التونسية.

حصلت الجزائر على استقلالها بمساعدة كل من المغرب وتونس يوم 5 يوليوز 1962، بعد صراع مرير مع المحتل الفرنسي، وهو ما كان ظاهريا بداية للانطلاقة الفعلية لوحدة المغرب العربي، وتتويجا للمجهودات التي قام بها كل من المغرب وتونس وليبيا من أجل استقلال الجزائر، ولم تكد تمر إلا بضعة أشهر على استقلال الجزائر، وبداية الحلم بتحقيق تكتل إقليمي واعد كما كان العالم يراه، حتى تحولت هذه الفرصة والآمال المعقودة عليها إلى مشكلة كبيرة، بدأت تلقي بظلالها شيئا فشيئا على مستقبل المنطقة.

فقد ظهر في بادئ الأمر صراع قوي بين الجزائر وتونس، حيث احتضنت الجزائر مباشرة بعد استقلالها، مشروع صالح بن يوسف، أحد الزعماء التونسيين المنافسين للحبيب بورقيبة، والطامعين في الحكم، والذي ظل في مصر منذ استقلال تونس ينتظر فرصة الانقلاب على الحبيب بورقيبة، وهو ما كان يعني أن الجزائر بدأت تخطط للإطاحة بنظام حكم بورقيبة مباشرة بعد استقلالها.

وقد برز هذا الصراع بوضوح في مطلع يناير 1963، عندما استدعت تونس سفيرها في الجزائر بحجة تواطؤ الجزائر مع عناصر عسكرية تابعة لصالح بن يوسف، حاولت تنفيذ محاولة اغتيال فاشلة في حق الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، وكان أول من تدخل وحمل على عاتقه مسألة القيام بمساعي حميدة من أجل إعادة المياه إلى مجاريها بين البلدين، هو المغرب.

فقد دخل على الخط مباشرة بعد استدعاء تونس سفيرها بالجزائر، وكانت أول مبادرة رسمية قام بها، هي عندما قام الملك الراحل الحسن الثاني بإرسال برقية إلى الحبيب بورقيبة الرئيس التونسي، يوم 23 يناير 1963، شرح في بدايتها أن الخلاف الذي نشأ بين الجزائر وتونس كان له الوقع السلبي على شعوب المنطقة ومنها الشعب المغربي، نظرا لأن الآمال كانت معقودة على بناء صرح المغرب العربي.

وأضاف عاهل البلاد، ضمن نفس الرسالة، أنه "وفي إطار العمل لتحقيق هذا الهدف الذي كافحنا من أجله، وحرصا منا على أن يوضع حد للأزمة الحالية التي تكدر صفو العلاقات بين القطرين الشقيقين العزيزين علينا، أوفدنا لدى فخامتكم ممثلنا الشخصي وزير خارجيتنا الحاج أحمد بلافريج، يرافقه كاتب دولتنا في الأنباء والشبيبة والرياضة السيد عبد الهادي بوطالب، مستهدفين إصلاح ذات البين، وتقريب وجهات النظر، وبذل الجهد للوصول إلى إزاحة أسباب الأزمة لتعود العلاقات إلى سابق عهدها وتخفف من جديد على ربوع القطرين الشقيقين ألوية الإخاء والمودة والتعاون".

وذكر العاهل المغربي الحبيب بورقيبة بأن تونس ساعدت الجزائر في محنتها وساهمت بكل الإمكانيات في توفير الظروف لتحريرها، وبناء على ذلك، ناشده بالتالي:

"لذلك، نناشد غيرتكم الوطنية باسم شهدائنا الأبرار وضحايانا الميامين، أن تمدوا مرة أخرى يد الإخاء للقطر الجزائري الشقيق الذي لا يزال في أمس الحاجة للمساعدة والتضامن، خصوصا في هذه المرحلة التي لا تزال الجزائر تضمد فيها جروحها الدامية"، وختم العاهل المغربي رسالته بـ(أمله في أن تجد المساعي المغربية الحميدة كامل القبول والترحيب من طرف تونس حكومة وشعبا، من أجل السير على درب وحدة المغرب العربي وتدعيم كيانه، داعين الله أن يشد أزركم لتسيروا بتونس الشقيقة نحو تحقيق أهدافنا جميعا".

وبعد أيام قليلة فقط على الرسالة الملكية إلى الجمهورية التونسية، بدأت الدبلوماسية المغربية رسميا في التحرك، حيث زار الوفد المغربي المكون من أحمد بلافريج وزير الخارجية المغربي، وعبد الهادي بوطالب كاتب الدولة في الأنباء والرياضة، وهناك أمضى الرجلان أياما في تونس للاطلاع على جوهر المشكل، وشرح نوع الوساطة التي يعتزم المغرب القيام بها.

رد الحبيب بورقيبة على عرض الحسن الثاني.

لم يتأخر الحبيب بورقيبة في بعث جواب للملك الحسن الثاني على رسالته.

فقد بعث رسالة مماثلة يوم 7 فبراير 1963، أخبره من خلالها عن ارتياحه شخصيا وارتياح حكومته للمبادرة المغربية لحل الخلاف الجزائري التونسي، كما خاطبه ضمن نفس الرسالة بالقول:

"نحن على يقين من أن ما حدا بكم للإقدام على هذه الخطوة المباركة إنما هو الإيمان بمستقبل المغرب الكبير الذي كافحنا من أجله بتجرد وإخلاص"، ثم أضاف قائلا:

"ومن رأينا أيضا، أنه لا سبيل لتحقيق هذا الهدف المنشود إذا تجنبنا الوضوح والصفاء، فيسمح البعض بعمل من شأنه تقويض النظام القائم في بلد شقيق، فتلك طرق تفضي بنا، طال الزمان أو قصر، إلى نكسات وخيمة العواقب ليس من صالحنا أن ننحدر إليها، وقد اتخذنا من الصراحة والصدق أساسا لمعاملاتنا مع أشقائنا وجيراننا، ولم نأل جهدا في القيام بما يفرضه علينا واجب الأخوة من مساندة في الضراء عندما كان الشعب الجزائري يخوض غمار حربه التحريرية، وفي السراء عندما حقق النصر، وإدراك الاستقلال، وكنا في كلتا الحالتين مخلصين لمبادئنا القومية إدراكا منا بأن تقوية ساعد شقيقتنا الجزائر تقوية لساعدنا جميعا".

وعبر الرئيس التونسي عن صدمته مما أقدمت عليه الجزائر بقيادة أحمد بن بلة، بالتالي:

"لذلك كان ألمنا شديدا عندما توالت الأحداث وتجمعت الدلائل على ما يحاك ضد شعبنا ودولتنا وضدنا من دسائس في أرض كنا نأمل أن تكون درعا لنا، وحاولنا عديد المرات بدون جدوى أن تسوى المشاكل بالحسنى فنتابع السير متضامنين متكاثفين لخير شعبينا، ومصلحة شعوب المغرب الكبير كافة، فلم يكن بد من الصدح بالحقيقة، إذ كنا نسير في طريق تؤول بأهدافنا الكبرى إلى التلاشي والضياع".

ثم أكد الرئيس التونسي ضمن نفس الرسالة، أنه "لا يمكن إقامة صرح المغرب الكبير دون وجود عامل الثقة"، وتابع موضحا ؛ " ليس مما يسهل التعاون المنشود أن يحتضن أحد المارقين عن النظام ببلد شقيق بما لا يتفق وحسن الجوار، ولا يتماشى مع العرف الدولي وبالأحرى مع واجب الأخوة". وفي الأخير، تمنى الرئيس التونسي أن تأتي مبادرة الملك الحسن الثاني من أجل الوساطة بين تونس الجزائر بنتائج وأن تنجح في مسعاها، وأخبره بأنه أرسل كاتب الدولة في الشؤون الخارجية التونسية إلى المغرب من أجل بحث سبل بناء صرح المغرب الكبير.

رسالة الملك الحسن الثاني إلى الرئيس الجزائري من أجل الوساطة

في نفس اليوم الذي أرسل فيه الملك الحسن الثاني رسالة إلى الرئيس التونسي، أي يوم 23 يناير 1963 من أجل عرض الوساطة، أرسل كذلك رسالة إلى أحمد بن بلة رئيس حكومة الجمهورية الجزائرية، والملاحظ من خلال مراجعة الرسالة التي أرسلها العاهل المغربي إلى الرئيس الجزائري، أنها نسخة طبق الأصل عن الرسالة التي أرسلت للرئيس التونسي، بمعنى أنه استعملت فيها نفس العبارات حرفيا، بينما لوحظ تغيير الصفحة الثالثة والأخيرة من الرسالة، والتي خاطب من خلالها الرئيس الجزائري بصراحة، حيث قال له ما يلي:

"إن الجزائر الشقيقة تدرك ما أسدته لها تونس من عون صادق خلال معركتها التحريرية، وما نشك في حرصها على إعادة صفو العلاقات بين القطرين، ولذلك فنحن متأكدون سلفا أنها لن تتأخر في مد يد الأخوة لتونس، تدعيما لوحدة الصف، ووفاء لروح الضحايا والشهداء الذين سقطوا لتدعيم كيان ووحدة المغرب "، وختم الملك الحسن الثاني رسالته الموجهة إلى أحمد بن بلة بطلب تسهيل مهمة المغرب من أجل الوساطة بين تونس والجزائر، وبعد ختام زيارة الوفد المغربي المشكل من أحمد بلافريج وعبد الهادي بوطالب، إلى تونس، قام نفس الوفد بزيارة إلى الجزائر، وحاولوا تقريب وجهات النظر بين تونس والجزائر.

جواب الرئيس الجزائري عن الرسالة الملكية من أجل الوساطة.

لم يتأخر الرئيس الجزائري في الإجابة عن الرسالة الملكية، بل بعث رسالة جوابية إلى الحسن الثاني قبل الرئيس التونسي، فإذا كان الحبيب بورقيبة قد بعث رسالة جوابية إلى الملك الحسن الثاني يوم 7 فبراير، فإن الرئيس الجزائري أجاب عليها يوم 4 فبراير، وجاء في رسالته:

"نعم، إن شغلنا الشاغل كان ولا يزال العمل على إزالة جميع العقبات والحواجز التي ورثناها عن الاستعمار، والاحتفاظ بعلاقات طيبة مع كافة الشعوب المحبة والسلام، وخاصة منها الشعوب العربية الشقيقة، التي عززت جانبنا أيام كنا نقاسي من الاستعمار الغاشم أشد المحن وأنواع الآلام".

وتابع بن بلة شارحا وجهة نظر الجزائر في المشكلة مع تونس قائلا:

"ومن التجني على الواقع أن نسمي هذه المشاكل الطارئة خلافات، إننا لا نتأكد أن هذه المشاكل تفرض وجودها، ولكننا في نفس الوقت نؤمن الإيمان العميق بأنها ستسوى إذا ما نوقشت على أساس الصراحة الواقعية والتفاهم، إن الصراحة يجب أن تكون حجر الزاوية لبناء وحدة المغرب العربي، وفي سبيل تحقيق هذه الفكرة، يجب أن نتسلح بالصبر ونتطلع بتفاؤل إلى المستقبل".

وفي ختام رسالة رئيس الجمهورية الجزائرية الموجهة إلى العاهل المغربي، أخبر الأول الثاني بأن وفدا جزائريا سيتوجه إلى الرباط تلبية لمساعي المملكة من أجل الوساطة بين البلدين، كما أكد له أن الوفد سيقوم بشرح نوايا ومواقف الجزائر من هذه المسألة الخلافية مع تونس.

أول اجتماع لوزراء خارجية المغرب العربي

تحولت الرباط بعد ذلك إلى عاصمة لدول المغرب العربي، حيث حل نجل الرئيس التونسي على رأس الوفد التونسي، بينما ترأس الوفد الجزائري وزير الخارجية، ثم التأم أول اجتماع لوزراء خارجية المغرب العربي بالرباط، والذي امتد ما بين 11 إلى 14 فبراير 1963، حضره كل من وزير الخارجية التونسي ووزير الخارجية المغربي، إضافة إلى وزير خارجية الجزائر، وصدر على إثره بلاغ مشترك يوم 14 فبراير بعد نهاية الاجتماع، جاء فيه أن ممثلي البلدان الثلاثة تبادلوا وجهات النظر فيما يخص:

أولا، تنسيق سياسة الأقطار الثلاثة حيال المنظمات الاقتصادية كالجامعة الاقتصادية الأوروبية، ثانيا، تنسيق مخططات التنمية في أقطارهم الشقيقة وتنسيق سياستها التجارية، وثالثا، تحديد طرق ووسائل التعاون في الميادين الثقافية والتقنية وتوحيد الأنظمة القضائية والتربوية.

وهكذا يبدو أن هذا الاجتماع رغم أهميته، إلا أنه لم يتضمن أي نقطة بخصوص عدم التدخل في الشؤون الداخلية لبلدان المغرب العربي، ورغم ذلك وقعت تونس والجزائر على اتفاقية دبلوماسية وقنصلية بين البلدين في 26 يوليوز 1963، في حين كان هدف المغرب من هذه الوساطة هو الرهان على بناء صرح المغرب العربي، ولأجل ذلك، خصص الحسن الثاني حيزا من خطاب العرش يوم 3 مارس 1963، أكد من خلاله على المجهودات التي بذلها المغرب من أجل توحيد المغرب العربي، وبعد ذلك توجه إلى الجزائر في زيارة رسمية يوم 13 مارس، أكد من خلالها على عزم بلاده على توحيد شعوب المنطقة وجعل المغرب العربي تكتلا اقتصاديا وسياسيا، كما قدم مساعدات عسكرية للدولة الجزائرية الناشئة.

غير أن الأمور لم تذهب إلى المدى الذي تمناه الحسن الثاني، فسرعان ما دخل المغرب والجزائر في مواجهة مباشرة خلال شهر أكتوبر من نفس السنة فيما يعرف بحرب “الرمال”، والتي أوقفت مؤقتا كل تعاون بين البلدين.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك