أنتلجنسيا المغرب:فهد الباهي/مكتب إيطاليا
في قراءة معمقة لكتاب "أفق الإنسان في ظل
الثورة الإحيائية المعاصرة" للدكتور " محمد أحدو"، يقدم الدكتور
" الصديق الذهبي " تحليلًا فلسفيًا شاملاً لفك طلاسم هذا العمل العلمي
القيّم.
يسلط " الذهبي " الضوء على محاور الكتاب
التي تتناول التأثيرات العميقة للثورة التكنولوجية على الإنسان، وكيفية إعادة
تشكيل الفهم الفلسفي والسياسي للعالم المعاصر.
حيث أبرز "محمد أحدو" من خلال هذا العمل
رؤيته المستنيرة حول دور الإنسان في ظل هذه التحولات الكبرى، ويتناول تأثير هذه
الثورة الإحيائية على مختلف الأصعدة الاجتماعية والفكرية.
الكتاب، الذي يعد إضافة علمية قيمة في مجال
الفلسفة والفكر السياسي، يتنبأ بمستقبل يتسم بالتحولات السريعة في المعرفة
والتكنولوجيا، ويقدم إطارًا فلسفيًا لفهم هذه التحولات في سياق إنساني.
الدكتور:"الصديق
الذهبي" تخصص الفلسفة والفكر السياسي
المعاصر.
الدكتور الصديق الدهبي هو أستاذ جامعي متخصص في
الفلسفة والفكر السياسي المعاصر، يشتهر بتعمقه في تحليل الظواهر الفكرية والسياسية
المعاصرة، وله العديد من الدراسات التي تسلط الضوء على التحديات الفكرية التي
تواجه المجتمعات في عصر الثورة التكنولوجية والمعرفية.
يعتبر من الأسماء البارزة في مجاله، حيث يُعرف
بقدرته على تفسير وتفكيك المفاهيم المعقدة، وتقديم رؤى فلسفية متجددة تُسهم في
إثراء النقاشات الأكاديمية، كما يُعتبر من المفكرين الذين يساهمون بشكل كبير في
تطوير الفكر الفلسفي المعاصر.
الدكتور:"محمد
أحدو" مفكر وفيلسوف متخصص في الفلسفة
والفكر السياسي المعاصر.
الدكتور " محمد أحدو " كاتب مؤلف فيلسوف
متخصص في الفلسفة والفكر السياسي المعاصر، يعد من أبرز المفكرين الذين أسهموا في
تطوير الدراسات الفلسفية والسياسية في العالم العربي. قام بتأليف مجموعة من الكتب
العلمية القيمة التي تعكس عمق تحليله للعديد من القضايا الفكرية والسياسية
المعاصرة، حيث يتناول فيها مواضيع مثل التحولات الاجتماعية والتحديات التي تواجه
المجتمعات الحديثة.بالإضافة إلى تأثير الثورة التكنولوجية على الإنسان والفكر
السياسي.
يتميز الدكتور: "محمد أحدو " بنهج
نقدي وتجديدي، يسعى من خلاله إلى ربط الفلسفة بالواقع المعاصر وتفسير تأثيراتها
على الأفراد والمجتمعات.
له مجموعة من الإصدارات الفلسفية التي
تتناول التحولات الفكرية والاجتماعية في العصر الحديث.
هذه قراءة الدكتور: " الصديق الذهبي " تحت عنوان :
أفق الإنسان: الثورة الإحيائية المعاصرة
ومحاذير «ما بعد الإنسانية»
ليس التوق نحو الآفاق الرحبة والواسعة جديدًا في
عُرف البشر، ولا أمرًا جديدًا يجري الحديث عنه لأول مرة في دروس التاريخ وتطلعات
الحضارات ومطامح الأجداد والأحفاد، وإنما هو دومًا على رأس مطالب الوضع البشري،
وهواجس العلماء والباحثين وطموحاتهم، وهو أيضًا مبتغى الإنسانية الراغبة دومًا في
طي صفحات الموجود وتغييرها بما يثير الدهشة والإبهار، والشوق والميل لكل جديد،
ورغبة كشف ما يُبرز حالة العظمة ولا محدودية العقل البشري في صناعة التطور. لكن
هذا التوق للمعرفة «السائلة» " 1
"
وهوس الذهاب بعيدًا في رؤية مستقبل البشرية
من منظورات لا تقيم حدودًا للتخيل والإبداع، لهو في «الزمن المعاصر» أكثر من غيره
في باقي الأزمنة والحضارات، لعدة اعتبارات أهمها لربما الثقة الزائدة في العلم
ومنجزاته، وفيما أثبته العقل البشري بشأن قدرته على طرق أبواب العوالم
اللامتناهية. فهل تكون فكرة «ما بعد الإنسانية» و«الثورة الإحيائية المعاصرة»
الحاملة لعقيدة «موت الموت» هي مدى هذا التوق الأخير؟ أم بمقدور المقاومة الإتيقية
فرملة هذا النهم البشري وخلق الإنسجام المطلوب بين الإنسان والإنسان؟
هذا السؤال تحديدًا بكل حمولاته الأخلاقية
والمعرفية والوجودية، شَكَّل أرضية كتاب «أفق الإنسان في ظل الثورة الإحيائية
المعاصرة» لصاحبه الأستاذ والباحث «محمد أحدو» "2"، كجهد يقتفي أثر هذا
الأفق الذي يُراد له أن يكون بلا حدود، ومن حيث كونه موضوعًا محسوبًا على
«المُشترك الإنساني»، وليست مخاوفه وامتداداته من شأن الغرب أو الشرق أو معشر
العلماء والخبراء وحدهم، وإنما هو شأن إنساني، وهم مشترك، ومطلوب من أجل التجاوب
معه، أن تُفتح أبواب التخصصات على بعضها، وأن يجري تجاوز محدودية التصنيفات
المرصوصة تحت أسامي المجالات الدقيقة لـ"المجمعات العلمية"، نحو فهم
مغاير للبحث العلمي والمعرفي، حتى يكون بالإمكان ربط أسئلة الطب مع مستجدات
البيولوجيا والذكاء الاصطناعي، وجميعها مع النقاشات الفلسفية والأخلاقية
والحقوقية.
هكذا وعن طريق هذه الانفتاحة المنهجية ومنطق العمل بالمعية، الذي يستحضر درس "إدغار موران" وغيره، يمكن الإمساك بجوهر الجدل المتصل بمفهومي "الإنسانية الانتقاليةTranshumanisme " و "ما بعد الإنسانية " 1" Post-humanismeعلى أساس أن اللحظة الأولى تشير إلى التوسط بين مرحلة "الإنسان"، بما تحمله من دلالات بيولوجية ووجودية تدل على "الهوية المشتركة"، مع لحظة "ما بعد الإنسان"، بكل حمولاتها المرتبطة بالرغبة في الاستفادة من منجزات العلم والتكنولوجيا، وبلوغ مرحلة التحسين المتناغمة مع حلم "الإنساني المزيد".
" 2 "، وهو مرادف لمعنى
"التحسين"، والعمل على تجنب ما ليس مرغوبًا فيه كالمرض والموت والشيخوخة
والمعاناة "3 "، في حين يحيل مفهوم "ما بعد الانسان"
إلى مرحلة مغايرة عن المألوف والمعهود، لأنها تعني التدخل التكنولوجي في
الوضع البشري، والوصول إلى مرحلة التعديل الوراثي والجيني اللامحدود في آفاقه
ومطالبه وممكناته، وفي النهاية الدعوة إلى التخلي عن الخصائص المميزة للإنسان
جسديًا ومعرفيًا ونفسيًا " 4 "، وهي الحالة التي تطرح في حال رغبة اختصارها إحراجات وأسئلة
عميقة، لربما تلخص أرضية النقاش التي يفتحها كتاب «أفق الإنسان في ظل الثورة
الإحيائية المعاصرة».
1 - صيغة
"ما بعد الإنسانية" جرى شرحها بتفصيل شديد، من قبل "لوك فيري"
في كتاب له، تحدث فيه عن امتدادات ومدلولات هذا التحول العميق الذي أصاب الوضع
البشري والإنسان الحديث والمعاصر، ينظر:
- Luc Ferry, La révolution transhumaniste: comment la techno
médecine et l'upérisation du monde vont bouleverser nos vies, Plon, April,
2016.
2 - الإشارة هنا إلى مفهوم "الإنسان
المزيد"؛ تأتي في سياق استحضار كتاب صدر بنفس العنوان /الإنساني المزيد،
والذي ضم عددا من المقالات التي جمعها ونسقها ونظمها "إدوار كلينبتر"Edouard KleinPeter، وفكرته تقوم على أن التعزيز البشري والإنسان المزيد، هي دلالات
على فكرة الزيادة التي تعني في هذه الحالة "مجموعة من الإجراءات والمناهج أو
الوسائل، الكيميائية أو التقنية، التي تهدف إلى تجاوز القدرات الطبيعية أو العادية
للفرد"؛ وهو معنى عام يحيل ضمنيا إلى ثلاث مستويات مركزية، "زيادات
قدرات الفرد؛ تحسين طبيعة الإنسان، وأخيرا تحسين الذات". ينظر:
- إدوارد كلينبتر، الإنسان أمام
تقنياته الزيادة التهجين التحويل البشري، ضمن: الإنسان المزيد، تنسيق إدوار كلينبتر،
ترجمة جميل شاكر، منشورات المركز الثقافي للكتاب، الدار البيضاء، بيروت، ط1/2019،
ص 11.
" 3 " محمد أحدو، أفق الإنسان في ظل
الثورة الإحيائية المعاصرة، منشورات مؤسسة الموجة الثقافية، الرباط، ص 131.
4 - محمد أحدو، أفق الإنسان في ظل الثورة الإحيائية المعاصرة، المرجع
السابق، ص 6 – 7 بتصرف.
رغبة اختصارها إحراجات وأسئلة عميقة، لربما تلخص
أرضية النقاش التي يفتحها كتاب «أفق الإنسان في ظل الثورة الإحيائية المعاصرة».
أولى إحراجات هذه النقلة؛ تعود إلى امتدادات
المفاهيم السالفة على معاني الهوية والوجود والطبيعة الإنسانية والوضع البشري، ذلك
أن مسايرة المد العلمي للبحوث المتعلقة بالتكنولوجيا الإحيائية، وما يجري تحقيقه
من نتائج كانت إلى وقت قريب موضوعة في خانة "الاستحالة المعرفية"، انتهى
إلى شرخ عميق في التعاطي مع سيد الأسئلة، ونقصد طبعا "الهوية"، بداية من
محددها الأول المتعلق بـ"الجسد"، الذي صار أمر تغييره وتحسينه وتبديل
أجزائه/أعضائه أمرًا متاحا وميسرا، إلى درجة احتمال وأد "وجوده" الذي
صار مجرد احتمال من ضمن احتمالات أخرى كثيرة ممكنة، بعد أن أمكن تجنب فعل الإنجاب
في حال ثبت وجود تشوهات خلقية، أو الأسئلة المتعلقة بالفعل الجراحي، وموضوع نقل
الأعضاء وزرعها، وما ارتبط بها من عمليات التجميل والتحسين والتطوير، التي تنتهي
إلى تشكيل إنسان "منزوع الهوية، أقرب ما يكون أجنبيا عن ذاته، مع هذا الدخيل
من الأعضاء على جسده الأصلي"1".
ثم أنها من زاوية ثانية؛ تثير جدلا متعلقا بمطلب
"القابلية للاكتمال"، ولهفة الحصول على "إكسير الخلود" من
خلال التوق إلى مرحلة "موت الموت"2"، وإبطال مفعولات المرض
والشيخوخة والتعب والإرهاق والمعاناة، وما تعلق بها من أحلام وأماني بشرية، تريد
حسم سؤال النهايات أيًا كانت طبيعتها أو شكلها، أمام ثقل نزوة البقاء ورغبات
الاستمرارية والخلود "3" ليس بمعانيه المتعلقة بزمن الأنوار، حيث
كان التطلع إلى تحقيق الاكتمال بدلالاته.
5 - محمد أحدو، أفق الإنسان في ظل الثورة
الإحيائية المعاصرة، المرجع السابق، ص 92.
6 - هذا المطلب يمكن عده ردة على الوجود الأصيل
بمعانيه التي أثارها "هايدغر" وقبله مدارس أخرى منها
"الرواقية"، التي انتقدت رغبة الحياة المطلقة بتعلة وجوب "محبة
الموت"، أو "الأبيقورية" التي ألزمت الوضع البشري بضرورة تقبل
الآلام والمعاناة من حيث كونها مظهرًا من مظاهر التمتع بالحياة، ولم تقل
أبدًا بالقطيعة مع أي شكل من أشكال المرض أو الحزن لأنه جزء أصيل في فهم وإدراك ما
يقابله، كفلسفات ترفض هذه الوعود الزائفة بشأن الحياة والوجود والموت، وهو ما يعني
أن هذه النقاشات صحيح ليست جديدة، لكنه تنبه إلى فكرة أن اللعب بإعدادات
الوضع البشري بصيغه العلمية الراهنة، من شأنه أن يحولها إلى نقاشات أكثر جدية ولها
ما يبررها كمخاوف واقعية وموضوعية، والتعامل معها لأول مرة باعتبارها ليست ترفًا.
[3] -
يُنظر في هذا السياق المحور الخاص بـ«الحفاظ على الإنسانية وصورة الإنسان»، ضمن
مؤلف الأستاذ «محمد أحدو»، والذي دون ضمنه، أهم الأطروحات والمشاريع
العلمية والفلسفية التي اشتهرت بدعوتها للخلود والتحسين وموت الموت، بدْءً من
«ميتوس» الأزمنة القديمة، كما هو حال «ملحمة جلجامش»، مرورا بعديد النظريات
والأطروحات، مثل بيك دولا ميراندول، كوندورسيه، بنجامين فرانكلين، نيكولاي
فيودوروف، هالدان، وغيرهم كثير.
ينظر: محمد أحدو، أفق الإنسان في ظل الثورة
الإحيائية المعاصرة، المرجع السابق، ص 183 وما بعدها.
[1] -
محمد أحدو، أفق الإنسان في ظل الثورة الإحيائية المعاصرة، المرجع السابق،ص 134.
[1] -
محمد أحدو، أفق الإنسان في ظل الثورة الإحيائية المعاصرة، المرجع السابق،ص 140.
10 - محمد أحدو، أفق الإنسان في ظل الثورة
الإحيائية المعاصرة، المرجع السابق، ص 154.
11- محمد أحدو، أفق الإنسان في ظل الثورة
الإحيائية المعاصرة، المرجع السابق، ص 174.
[1] -
محمد أحدو، أفق الإنسان في ظل الثورة الإحيائية المعاصرة، المرجع السابق، ص 10.
13 - محمد أحدو، أفق الإنسان في ظل الثورة
الإحيائية المعاصرة، المرجع السابق، ص 236.
والبيولوجية المعاصرة، وأفقها الواسع الذي تنشده
متسلحة برغبات إيديولوجية ونفسية واقتصادية وتجارية، يستحيل معها الإبقاء على
القول الساذج بـ«الحياد الإيجابي للعلم»، وبأنه لا ضمانة نملكها للقول بخدمة العلم
الدائم للصالح العام: لسببين على الأقل:
الأول؛ أن مفهوم الصالح العام هو نفسه محل
جدل، ولا يقبل أن يكون كونيًا، وغالبا ما يجري ربطه بالدافعية الإيديولوجية
للمختبرات العلمية، التي فقدت أغلبها لحيادها بفعل فقدان استقلاليتها، وهو أمر
معلوم ومعروف، والثاني؛ لأن النزعة العلمية، هي كذلك بفضل تجردها من الحساسيات الأخلاقية
والاعتبارات الحقوقية والإنسانية، وهو الذي ينتهي بنا إلى جعل الموضوعات المطروقة
ضمن هذا الكتاب في غاية الأهمية للقارئ بلغة الضاد، لأنها تتفاعل مع أسئلة العالم
المعاصر ومخاوفه وآفاقه باعتبارها أسئلتنا ومخاوفنا وآفاقنا، والحق أنه في حال سمح
صاحب الكتاب بالحديث من خلاله عنه، فإن رسالته التي لم يعلنها تَخُلُّقا، في معرض
جمعه لكل هذه الشواهد والنصوص، أن عالما مليئا بهذه الأسئلة والمخاوف يتطلب منا
شجاعة وجهدا، يفوق ذاك الذي ألزم به كانط عصر الأنوار، ويتطلب منا أيضًا ألا ننبهر
كثيرا لمثل تلك الأفكار التي تقول بأن «الإنسان .. ذلك المجهول».
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك