أنتلجنسيا المغربc في مقال نشره على موقع “ميديا بارت” الفرنسي، يتساءل الفسلسوف الكوري الجنوبي عما إذا كانت الرأسمالية، كنظام شامل تتحول إلى رأسمالية المراقبة، وبالتلي هل نشهد اليوم جدلية للحرية تحولها إلى عبودية طوعية؟ ويقول الفيلسوف الكوري الجنوبي، إن وباء كورونا يقود حتما إلى “نظام مراقبة سياسي بيولوجي”، ويضيف “ليست وحدها اتصالاتنا التي تخضع للمراقبة الرقمية بل أيضا أجسامنا وحالتنا الصحية. إن مجتمع الـمراقبة الرقمية يتوسعً ليشمل الجانب البيو سياسي”. وفي ما يلي نص المقال: لقد أدى خطر الإرهاب بالفعل إلى تدابير أمنية مهينة في المطارات دون أن نقاومها . لقد بدأنا نرفع أذرعنا في الهواء ونترك رجال الأمن يتفحصون أجسادنا ويبحثون عن أسلحة مخفية وكأن كل واحد منا إرهابي محتمل. أما مع الفيروس الجديد فقد انتشر الإرهاب في الهواء وها هو يمثل تهديدا أكبر بكثير من تهديد الإرهاب الذي ارتبط بالدين الإسلامي. ويرتبط ارتباطا ً وثيقاً بالمنطق القائل إن الوباء ستكون له عواقب من شأنها أن تحول المجتمع بأسره إلى مساحة تحت المراقبة وربما سنعيش الحجر الصحي الدائم، حيث سيتم التعامل مع الجميع كحامل محتمل للفيروس. إن بلدان أوروبا والولايات المتحدة فقدت كل بريقها وعنفوانها في زمن الجائحة. إنها تسقط وتبدو غير قادرة على السيطرة على الوباء. وفي آسيا، تمكنت دول مثل تايوان وهونغ كونغ وسنغافورة وكوريا الجنوبية واليابان من السيطرة عليه بسرعة كبيرة. ما هو السبب؟ ما هي نقاط القوة الذاتية التي تتمتع بها البلدان الآسيوية؟ في أوروبا والولايات المتحدة، يصارع الفيروس مجتمعا ليبراليا ينتشر فيه دون عناء. هل الليبرالية مسؤولة عن الفشل الأوروبي؟ هل يمكن للفيروس أن يعيش براحة في النظام الليبرالي؟ قريبا جدا سوف تتسخ الفكرة التي مضمونها أن مكافحة الوباء يعني العمل على مستوى صغير، مع التركيز على الشخص أي الفرد. ولكن الليبرالية لا تتوافق مع مثل هذه المقاربة. يتكون المجتمع الليبرالي من أفراد يتمتعون بحرية الحركة التي لا تقبل تدخل الدولة. وعلى سبيل المثال فإن حماية المعطيات الشخصية تحظر مراقبة الأفراد على مستوى ضيق. ولا يتقبل المجتمع الليبرالي إمكانية تحويل الأفراد، الذين يؤخذون على حدة، إلى كائنات خاضعة للمراقبة. ولذلك ليس لديها خيار سوى الحجر الصحي مع عواقبه الاقتصادية الهائلة. وسوف يتوصل الغرب قريباً إلى استنتاج لا مفر منه: فالسياسة البيولوجية التي تسمح بالهيمنة غير المحدودة على الفرد هي وحدها التي ستمكن من تجنب الحجر المستدام الشامل . وسوف يتعلم الغرب أن المجال الخاص المحمي هو بالضبط المكان الذي يوفر المأوى للفيروس. ولكن الاعتراف بهذه الحقيقة يعني بكل بساطة نهاية الليبرالية. إن الرأسمالية، كنظام شامل تتحول إلى رأسمالية المراقبة. إن المنصات التكنولوجية مثل جوجل، وفيسبوك و أمازون ترصدنا وتراقبنا وتتحكم في تصرفاتنا لتحقيق أقصى قدر من الربح هي من أجل ذلك تسجل كل نقرة على الحاسوب وتحللها. نحن متأرجحون مثل الدمى من طرف البرامج الخوارزمية ويخيل لنا أننا أحرار ـ إننا نشهد اليوم جدلية للحرية تحولها إلى عبودية طوعية فهل ما زالت هناك ليبرالية؟ يحارب الآسيويون الفيروس بصرامة وانضباط لا يكاد الأوروبيون يتصورونه ويركز الرصد على مستوى كل فرد فرد وهذا هو الفرق الرئيسي مع الاستراتيجية الأوروبية. وتذكر الاجراءات الأسيوية الصارمة بالتدابير الضبطية التى اتخذتها أوربا فى القرن السابع عشر لمكافحة وباء الطاعون . وقد وصفها ميشيل فوكو بوضوح في تحليله لمجتمع التأديب والطاعة حيث تكون المنازل مقفلة من الخارج والمفاتيح يتسلمها رجال السلطة والذين ينتهكون الحجر الصحي يُحكَم عليهم بالإعدام والحيوانات الطليقة تُقتل لأن المراقبة شاملة وتسود الطاعة العمياء غير المشروطة وتتم مراقبة كل منزل على حدة. أثناء عمليات الفحص، يجب أن يظهر جميع سكان المنزل على النوافذ وأولئك الذين يعيشون في المنازل التي تفتح على فناء داخلي يتم تخصيص نافذة من خلالها يبرزون أنفسهم لرجال السلطة وهؤلاء ينادون على كل واحد باسمه ويطرحون عليه أسئلة حول حالته الصحية ومن كذب في جوابه فإن مصيره هو الإعدام، هذا بالإضافة إلى سجلات كاملة لتدوين المعلومات. في القرن السابع عشر، أصبحت أوروبا مجتمعًا تأديبيًا تتدخل فيه “السلطة البيولوجية” في أصغر تفاصيل الحياة. والمجتمع بأسره يتحول إلى كتلة خاضعة للمراقبة والرصد الدقيق، لقد تلاشت ذكرى هذه التدابير التأديبية تماما في أوروبا. والواقع أن هذه التدابير كانت أكثر صرامة بكثير من التدابير التي اتخذتها الصين حاليا في مواجهة هذا الوباء. ولكن يمكن القول إن أوروبا في القرنين السابع عشر والثامن عشر هي تقريبا الصين اليوم. وفي الوقت نفسه، أنشأت الصين مجتمعاً تأديبياً رقمياً مزوداً بنظام تنقيط اجتماعي يسمح بالرصد السياسي البيولوجي والسيطرة على السكان دون كلل. ليست هناك لحظة من الحياة اليومية تفلت من المراقبة. كل نقرة، وكل عملية شراء وكل تواصل أو نشاط على الشبكات الاجتماعية يتم تسجيله ورصده وهناك 200 مليون كاميرا مراقبة تتعرف على الوجه في اشتغال مستمر وأي شخص يخترق الضوء الأحمر أو يتواصل مع المعارضين أو ينشر انتقادا للسلطات على مواقع التواصل الاجتماعي فهو في خطر. والسؤال الذي نحتاج إلى طرحه على أنفسنا هو: لماذا يجب على هذه المراقبة الرقمية، الموجودة بالفعل، أن تتراخى في زمن الفيروسات؟ ومن ناحية أخرى، من المرجح أن يؤدي الوباء إلى خفض عتبة التثبيط التي تحول دون توسيع نطاق المراقبة السياسية الحيوية لتشمل مستوى الفرد. إن الوباء يقود حتما إلى نظام مراقبة سياسي بيولوجي. ليست وحدها اتصالاتنا التي تخضع للمراقبة الرقمية بل أيضا أجسامنا وحالتنا الصحية. إن مجتمع الـمراقبة الرقمية يتوسعً ليشمل الجانب البيو سياسي. وفقا للصحفية الكندية ناعومي كلاين، مؤلفة كتاب “No Logo “، فإن لحظة الصدمة هي الوقت المناسب لإقامة نظام جديد للتحكم. وستؤدي صدمة الوباء إلى هيمنة السياسة البيولوجية الرقمية على المستوى العالمي وهي التي ستُخضع أجسامنا لنظام الرصد والمراقبة وبالتالي سوف نصل إلى إنشاء مجتمع تأديبي بيو سياسي يرصد صحتنا بشكل دائم. ومن الوارد أن نشعر بالحرية في إطار هكذا نظام للمراقبة البيو سياسية. في الواقع، سنعتقد أن جميع تدابير المراقبة هذه ضرورية لصحتنا الجيدة وستكمل السيطرة دورتها عندما تتزامن مع الشعور بالحرية. في خضم صدمة الوباء، هل سيضطر الغرب إلى التخلي عن مبادئه الليبرالية؟ هل من المحتمل أن يصبح مجتمعنا مجتمعا للحجر البيوسياسي الذي من شأنه أن يقيد حريتنا بشكل دائم؟ وهل نموذج الصين هو مستقبل أوروبا؟
- بيونغ تشول هان، فيلسوف من كوريا الجنوبية وأستاذ الفلسفة في جامعة برلين للفنون، هو مؤلف كتب منها ” مجتمع التعب” (سيرسي، 2014)، و”السياسة النفسية: النيو ليبرالية وتقنيات السلطة الجديدة” (سيرسي، 2016) و”مجتمع الشفافية” (2017 PUF)
-
كتبه الفيلسوف الكوري الجنوبي بيونغ تشول
- نقله إلى العربية: أحمد ابن الصديق
- أنتلجنسيا المغربc
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك