حوار / الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:29:03 / لا توجد تعليقات:
أنتلجنسيا المغرب
يُقَدِّمُ توماس بيكيتي، من خلال كتابه الجديد، “رأس المال والأيديولوجيا”، سردية ضخمة للتاريخ البشري، بحضور خيط ناظم: “التفاوت كبناء أيديولوجي محض”.
في نظره، من الممكن، بل من الواجب، تجاوز النظام الرأسمالي. قبل إصدار الأحكام على الكاتب، من الأفضل معرفة وجهة نظره أولا. في هذا الحوار، يمنحنا صاحب كتاب “الرأسمال في القرن الحادي والعشرين”، خطوطه العريضة.
ميشيل التشانينوف: في كتابك الأخير “رأس المال والأيديولوجيا”، تقترح لوحة شاملة لتاريخ وتبرير التفاوت عبر العصور. كيف مررنا من أيديولوجية ترتكز على التراتبية الطبيعية إلى التفاوت بمفهومه المعاصر، والذي يُقال بأنه يرتكز على الاستحقاق؟
توماس بيكيتي: العديد من المجتمعات – أوروبا في ظل النظام القديم، الهند في فترة ما قبل الاستعمار أو الصين الإمبراطورية – عاشت في ظل نظام تفاوتي ذي طابع ثلاثي. السلطة تتقاسمها مجموعتان : طبقة المحاربين التي تسهر على ضمان احترام النظام وحفظ الأمن، وطبقة الكهنوت والمثقفين التي تسهر على توفير تأطير روحي للمجتمع. وهما يتحكمان في طبقة عاملة تُوكل إليها مهمة تأمين الوظائف الإنتاجية للمجتمع: التغذية، الملابس… صعوبة هذه البنية تكمن في إيجاد توازن بين الطبقتين المسيطرتين، واللتين لكل واحدة منهما مشروعيتها، ويجب عليها في المقابل، أن تقبل بالحد من سلطتها. في الهند مثلا، كان يتعين، في أحيان كثيرة، على الكاشتريا، أي طبقة المحاربين، منح مكانة بارزة للبرهمان، أي رجال الدين. يهدف هذا التركيب المعقد إلى توفير نموذج مقنع للاستقرار والتنمية من شأنه جعل سيطرتها تبقى مقبولة من قبل طبقة العمال. في المجتمعات الأوربية، تم الحرص على بناء انسجام اجتماعيّ، تراتبيّ وتفاوتيّ، بوجود الخطباء (oratores)، المحاربين (bellatores) والعمال (laboratores). على المستوى العملي، يعج تاريخ هذه المجتمعات بالاستثناءات والصدامات.
انطلاقا من عصر الحداثة، وخصوصا مع الثورة الفرنسية، تم استبدال المجتمعات الثلاثية بما أدعوه بمجتمعات المَلاَّكين. الأيديولوجية تختلف هنا: بدل الإقرار بأن الاستقرار ينبع من تكامل في الأدوار في ظل انسجام تراتبي، سيتم الإقرار بأن الحق في المِلْكِيَّة متاح للجميع وبأن الدولة المركزية تتكفل بحماية هذا الحق. في القرن التاسع عشر، هذا التقديس للحق في الملكية، الذي وصفه بلزاك بشكل جيد، أدى إلى تفاوت حادّ لصالح القلة القليلة. هذا علما بأن التوسع الاستعماري والمنافسة بين الأمم الأوربية، قد ساهما في تشجيع هذه الظاهرة. هذه الدينامكية التفاوتية ستنتهي بالتسبب في تدمير ذاتي للمجتمعات الأوربية ما بين سنتي 1914 و1945 .
لكن الأيديولوجية التي أدعوها ب “المَلاّكية”، والتي كانت خلف هذه الأزمات، ستُخْلِي مكانها لصالح حقبة جديدة تتميز بدعم المساواة، والتي ستمر عبر تنامي الضريبة التصاعدية، مع نسب %80 – %70 على المداخل والمواريث الأعلى ابتداء من سنوات العشرينات، وانبثاق سياسات اشتراكية-ديمقراطية أكثر مساواة ( مثلا ما عُرف ب “الصفقة الجديدة ” مع روزفلت في الولايات المتحدة الأمريكية)، دون الحديث عن قدوم النظام الشيوعي في أوربا الشرقية. لكن التاريخ لم يتوقف هنا، حيث أن منعطفا آخر سيحدث في سنوات الثمانينات، مع تطبيق السياسة النيوملاَّكية في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، وإتباعهما من طرف العديد من الدول الأخرى.
م.ا : ماذا حدث في سنوات الثمانينات حتى تنهار فجأة الحقبة الطويلة الأكثر مساواة في القرن العشرين؟
ت.ب : السردية المُقدمة من طرف رونالد ريغان في الولايات المتحدة الأمريكية ومارغريت ثاتشر في المملكة المتحدة، تحتوي على جوانب معقولة. فهي تقول بأننا بالغنا في تطوير مفهوم الدولة الراعية، الأمر الذي أفضى إلى إضعاف المقاولين وقد حان الوقت من أجل تحجيم دور الدولة قصد إعادة تنشيط الاقتصاد. في ذلك الوقت، كانت فكرة لحاق ألمانيا واليابان المنهزمتين في الحرب العالمية الثانية بركب الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، تُرهب الحليفتين. لكن الحدث الذي أضفى حقا المعقولية على الخطاب النيولبرالي، هو سقوط النظام الشيوعي في نهاية سنوات الثمانينات. حجم الفشل والمأساة الإنسانية السوفياتية كان فادحا – %5 من الساكنة البالغة تعرضت للسجن في سنوات الخمسينات، في غالب الأحيان بسبب اختلاسات اقتصادية صغيرة. يتعلق الأمر بنسبة حبس أعلى خمس مرات من الولايات المتحدة الأمريكية الحالية وأعلى خمسون مرة من الدول الأوربية.
أنهت الكارثة السوفياتية، لزمن طويل، التفكير في إمكانية إنشاء مجتمع متساو عن طريق تغذية الشعور باستحالة قيام اقتصاد ومجتمع عادلين. نتوفر اليوم على أكثر من ثلاثين سنة كفارق زمني عن هذه الحقبة. ونلاحظ بأن السردية الريغانية-التاتشرية، والتي تدعي تنشيط النمو بفضل تصاعد الفوارق، لم تنجح. ارتفعت الفوارق خلال الفترة 1990- 2020، بالمقارنة مع الفترة 1950- 1980.
فيما يتعلق بالنمو، فقد انخفض إلى النصف. إذ انخفض نمو حصّة الفرد من العائدات الوطنية من %2.2 بين عامَي 1950 و1990 إلى %1.1 بين عامَي 1990 و2020. منذ أزمة 2008 ( والتي ليست، في بعض جوانبها، سوى نتيجة للرغبة في تعويض الركود الاقتصادي من خلال هروب إلى أمام نحو الاقتراض، الأمر الذي أضر بالنظام المالي)، أخذ الخطاب النيوليبرالي في فقدان فاعليته. دونالد ترامب يحاول تعويضه جزئيا بخطاب قومي. في ظل تأخر النمو وتأكيد ركود عائدات الأمريكي المتوسط، نحتاج الآن إلى سردية أخرى، أكثر عنفا هذه المرة: تأكيد قوة أمريكا البيضاء على المكسيكيين، والصينيين… إلخ.
م.ا : ماذا تؤاخذ على فكرة الاستحقاق، والتي مفادها أن الأكثر جدارة ينال أكثر؟
ت.ب : إنه خطاب منافق في العمق. فهو يتيح لرابحي النظام الاقتصادي، الاجتماعي والتعليمي، حشر الخاسرين في الزاوية نظرا لافتقادهم للجدارة، الاجتهاد، الموهبة، بعنف قلَّما نجده بالحدّة نفسها في الأنظمة التفاوتية السابقة. عندما نلقي نظرة موضوعية على وضعية الولوج إلى التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية، نلاحظ بأن المنحنى الذي يربط بين الدخل الأبوي واحتمالية الولوج إلى التعليم العالي ينتقل من %0 إلى %100، أو بشكل أدق من %20 إلى %95 عندما نمر من نسبة %10 الأكثر فقرا إلى نسبة %10 الأكثر غنى. في الحالة الفرنسية، يظل التفاوت في الولوج إلى التعليم العالي أقل سوءا من الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنه يبقى صارخا.
الاستثمار العمومي الموجه نحو أطفال الأوساط الأكثر حظا يتراوح ما بين 250000 و300000 أورو من أجل تمدرس كامل، في حين أنه يظل محصورا ما بين 60000 و 70000 أورو بالنسبة للأطفال الذين يستفيدون من استثمار أقل. العلاوات الهزيلة التي تُمنح لمدرسي الأحياء في وضعية صعبة لا تخفف من ظاهرة التفاوت في الأجور مع مدرسي المؤسسات الأكثر حظا والذين يتلقون أجورا أعلى، أو في الإمكانيات المتاحة للشُّعب الانتقائية بالمقارنة مع بقية الشُّعب.
م.ا : أنت تذهب أبعد من ذلك حين توضح بأن بعض التبريرات القديمة للتفاوت لا تزال مستمرة حتى اليوم. كيف ذلك؟
ت.ب : في فترة ما بعد الحرب، وُجدت تعبئة سياسية قوية للطبقات الشعبية. لكن، إذا ألقينا نظرة، اليوم، على بعض المجتمعات، فسنجد بأن المنطق الثلاثي والتراتبي الذي وصفتُه، لم يختف بالكامل. كثيرة هي الجماعات التي تبحث عن مشروعية من أجل الحكم أو الهيمنة على المجتمع. حملة الشهادات الحاليون يريدون فرض احترامهم بفضل ثقافتهم الشاسعة وقد سئموا من كل هؤلاء الترامبيين (نسبة إلى دونالد ترامب) الذين لا يقرؤون الكتب ولا يصغون إلى كلامهم. المشروعية الحربية لم تختف هي الأخرى بالكامل – أنظر إلى الجيش الأمريكي وإلى الجيوش بصفة عامة- ولكن تم تعويض جزء منها بمشروعية تسويقية نجدها مجسدة بدقة في زعماء من أمثال دونالد ترامب وسيلفيو برلسكوني اللذين يجاهران بعدائهما للمثقفين ويؤسسان مشروعيتهما على قدرة مفترضة على إبرام الصفقات بمهارة قل نظيرها. هذا رغم وجود العديد من النقاط المشتركة بينهما: في نهاية المطاف، النظام الاقتصادي القائم يخدمهما. هذا ما يجعل مسألة التحالف بين “اليسار البراهمي” و”اليمين التسويقي” أمرا ممكنا، كما حدث في فرنسا حول إمانويل ماكرون.
م.ا : هذا التحالف في الوسط يصطدم في العديد من البلدان بحركات سياسية ترفع شعار الهوية أو التي ندعوها بالشعبوية. كيف تفسرون تنامي مثل هذه الحركات؟
ت.ب : في الولايات المتحدة الأمريكية وخلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لاحظنا لأول مرة تصويت، ليس المتعلمين فقط، ولكن أيضا أصحاب الدخول المرتفعة لصالح الحزب الديمقراطي. هذا يعني أن الأحزاب الاشتراكية-الديمقراطية لفترة ما بعد الحرب لم تعد قادرة على إقناع الطبقات الشعبية. هذه الأحزاب لم تنجح في تجديد أرضيتها الأيديولوجية قصد تكييفها مع التحديات الجديدة، خاصة التعليم والعولمة الاقتصادية. يتعلق الأمر بنتيجة مسار طويل. الأحزاب التي أدعوها بالاشتراكية-القومية تمزج بين رفض الهجرة والخطاب شبه-اجتماعي، كما هو الحال في فرنسا، حيث وصل الإحباط إلى أعلى درجاته في صفوف الأوساط الشعبية، مع حزب التجمع الوطني. نفس الحالة نجدها في ايطاليا، حيث تحالف حزب العصبة مع حركة خمسة نجوم، وحيث يحرص ماثيو سالفيني على الربط بين الحساسيتين العصبية والاجتماعية. يُوجد سيناريو كارثي يلوح في الأفق، وينذر بتفاقم مثل هذه التحالفات.
م.ا : هل من الممكن تحقق مثل هذا السيناريو؟
ت.ب: من أجل فهم هذا النوع من السيناريوهات والتي يجب اجتنابها تماما، يجب إلقاء نظرة على التاريخ، خاصة تاريخ الحزب الديمقراطي الأمريكي. فقد كان إبان القرن 19 عبارة عن حركة عنصرية مناصرة للاسترقاق والميز العنصري، كما عُرف بمواقفه الشاجبة لتصرفات النخب الصناعية والجمهورية في شمال الولايات المتحدة. فهو ينتقد نفاق النخب البرجوازية التي تعلن صداقتها للسود في العلن، في حين أنها لا تبحث، في الحقيقة، سوى على يد عاملة بسعر بخس. ومع ذلك، فالفضل يرجع، مابين سنتي 1880 و1950، إلى الديمقراطيين في تطوير الحركة السياسية التي سيتمخض عنها تطبيق الضريبة على الدخل، التأمينات الاجتماعية والصفقة الجديدة، كل هذا مع الإبقاء على مواقفهم العنصرية في الجنوب. فقد وجب الانتظار حتى سنوات الستينات حتى تظهر أولى مواقف الحزب الديمقراطي المدافعة عن الحقوق المدنية للأقليات. في نهاية المطاف، تخلى هذا الحزب الاشتراكي-القومي نهائيا عن مواقفه العنصرية متوجا ذلك بانتخاب رئيس أسود. هذا التطور كان بطيئا للغاية، مع كل ما خلفه من عنف غير مسبوق في الجنوب لعقود من الزمن. من الأفضل تجنب الفخ الهوياتي المماثل الذي تحاول الأحزاب القومية-الاشتراكية إيقاعنا داخله. إذا واصلنا إغلاق كل إمكانية أمام تقليص الفوارق الطبقية، أمام إعادة توزيع عادل للثروة بين مختلف فئات المجتمع بمعزل عن أصولهم، فسنضع أنفسنا أمام خطر أزمة سياسية ستتركز أكثر فأكثر حول القضايا الهوياتية والعنصرية.
م.ا : من الناحية الفلسفية، ما هي أهم الحجج المُقدمة من أجل تبرير التفاوت؟
ت.ب: هي تختلف بحسب الحقب والأمكنة. لكننا نجد دائما ما أدعوه ب”حجة صندوق باندورا”. النخب التي تستفيد من التفاوت، تجيب أولئك الذي يبحثون عن حلول من أجل إرساء مزيد من المساواة، بما يلي: “أنتم تتجهون مباشرة نحو الفوضى إذا ما بدأتم بانتقاد مراكز بعضنا البعض بشكل جذري، باسم تصور للعدالة، مهما بلغت جاذبيته، إلا أنه لن يكون أبدا محل إجماع”. عندما تتمكن جماعة عسكرية من الحفاظ على النظام، وتتحالف مع جماعة تمتلك الثقافة المكتوبة والدينية، فإنها تقترح نموذجا للاستقرار. يجب أن تكون حوافز المرء قوية حتى يعترض على هذا الوضع ويعرض نفسه لخطر العودة إلى مرحلة الفوضى. كان علينا، أخيرا، انتظار القرنين الثامن والتاسع عشر حتى يتم اقتراح تجارب جديدة، ستفضي في نهاية المطاف إلى التقديس المَلاَّكي. التاريخ ليس فقط هو تاريخ الصراع الطبقي، كما قال كل من كارل ماركس وفريدريك انجلز. التاريخ هو تَعَلًّم متدرج للعدالة ويمر عبر صراع أيديولوجي. الموقف الاجتماعي، مهما بلغت أهميته، يظل غير قادر لوحده على صياغة نظرية للملكية، للحدود، للضريبة أو للتعليم. ومع ذلك، ففي كل حقبة، كان لهذه الأيديولوجيات نصيب من المعقولية ونصيب من الأنانية.
م.ا : ماذا عن الحقب الثورية؟
ت.ب : سنجد نفس الحُجة في المناقشات التي واكبت الثورة الفرنسية. فقد نُودي بإلغاء الامتيازات. لكن أية امتيازات؟ ففي حين اختفت القِنَانَة رسميا من غرب أوربا، واصل الفلاحون القيام بواجب السخرة لصالح الأسياد، أي أيام عمل غير مؤدى عنها. في نظر بعض الثوار، كان إلغاء واجب السخرة أمرا ضروريا دون دفع تعويضات للأسياد، لأن الأمر يتعلق بتملك غير مشروع. لكن نظرة مختلفة تماما، مفادها أن هذه السُّخرات لا تختلف في العمق عن الإيجار، هي من ستفرض نفسها. إذا اعترضنا على كل أنواع السُّخرات، أليس من الواجب الاعتراض على كل علاقات الملكية؟ إنها حجة صندوق باندورا….وبالتالي فالثورة لم تلغ التفاوت. كل ما قامت به، هو إعادة صياغته في لغة جديدة مبنية على تقديس المِلْكية.
بإمكان تجارب القرن العشرين أن تَصْلُحَ كنبراس من أجل إعادة التفكير في قضية المساواة. فمثلا، مع الفارق الزمني الذي نتوفر عليه اليوم، يمكن القول بأن النسب الضريبية التي وصلت أحيانا حتى %80 أو %90 والتي طُبقت في الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة الممتدة ما بين 1930 و1980 على الفئات الأكثر غِنًى، قد كانت على درجة عالية من النجاعة. تُبين هذه التجارب بأننا لسنا محكومين بتقديس التفاوت إلى الأبد. أنا بالأحرى متفائل بخصوص التقدم المحرز، رغم كل أخطار العودة إلى الوراء وفترات الانكماش الهوياتي. التقدم نحو المزيد من العدالة ونحو شكل من أشكال الاشتراكية التشاركية والفدرالية-الاجتماعية الانتقالية، أمر ممكن. أنا مقتنع تماما، إذا ما استفدنا من دروس التاريخ، بقدرتنا على تجاوز الرأسمالية والملكية الخاصة، من خلال تعويضها بالملكية الاجتماعية والمؤقتة.
م.ا : هل بإمكاننا إرساء المزيد من المساواة باستخدام وسائل غير ديمقراطية؟
ت.ب : نعم. لا أشغل تفكيري كثيرا بمعرفة ما إذا كان التغيير سيحدث من خلال الانتخابات أو من خلال ليلة ثورية عظيمة، بقدر ما أشغله بمناقشة الطريقة التي سيتم بها تنظيم المجتمع في الصباح الموالي. في سنة 1917، لم يفكر الشيوعيون الروس بطريقة جدية في وسائل إرساء العدالة: ديكتاتورية البروليتاريا، هذا ليس ببرنامج عمل. من هي البروليتاريا؟ كيف سنختار الرئيس البروليتاري؟ كيف سيتم تنظيم علاقات الإنتاج والملكية داخل المقاولات الصغرى؟ فيما يخصني، أفضل صياغة برنامج نظام اشتراكي تشاركي واجتماعي-فدرالي، يرتكز على التشاور الجماعي. بوسعنا الذهاب بعيدا في مسألة التسيير المشترك، من خلال تقاسم حق التصويت بين المساهمين والمستخدمين – الذي تمت تجربته في المقاولات الألمانية والسويدية. يمكننا القيام بنفس الشيء في فرنسا، علاوة على تسقيف أصوات كبار المساهمين. باستطاعتنا الذهاب نحو المِلْكية الاجتماعية والمؤقتة. يمكننا الذهاب بعيدا في تجارب الضريبة التصاعدية على الدخل، الميراث والمِلْكيَّة. من الممكن إرساء نظام ضريبة سنوية على المِلْكيَّة يكون رؤوفا بالملكيات الأضعف، في حدود %0.1، وهو ما يشكل نسبة أقل من ما هو مُطبق حاليا في إطار الضريبة العقارية.
في المقابل، وبالنسبة للملكيات التي تصل إلى عدة مليارات من الأورو، أقترح بأن تكون الضريبة التصاعدية على الملكية أكثر أهمية : %50، %60، %90. السُّلَّم المُقترح سيضع حدا لحيازة الممتلكات المقدرة بعدة مليارات أو بعدة مئات الملايين من الأورو، مع الإبقاء على إمكانية حيازة الممتلكات التي هي في حدود عدة ملايين من الأورو، أو لنقل عدة عشرات الملايين من الأورو. يُمكن نعت هذا السلم بكافة النعوت إلا بأنه متشدد. أكبر عائق أمام تطبيق هذه الإجراءات ليس هو معارضة النخب التي ترفضه – رغم أنه يلعب دورا مهما – بقدر ما هو استقلال المجال الاقتصادي بذاته بشكل مفرط.
لماذا تخلى المؤرخون، الصحفيون، المواطنون عن الاقتصاد لصالح الاقتصاديين الذين يدَّعون لأنفسهم حق امتلاك خبرة ليست في ملكهم؟ الاقتصاد ليس هو الميكانيك الكمية. يتعلق الأمر بالتاريخ، بعلوم اجتماعية. في إمكان، بل من واجب كل شخص، امتلاك فكرة حول هذه المواضيع والانتساب إلى هذه القضايا.
م.ا : كيف يمكن تنزيل هذا البرنامج على أرض الواقع؟
ت.ب: بداية، يمكن القول بأن مبادرات مماثلة قد ووُجدت، في الماضي، في ظل مناخ ديمقراطي تام، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية خلال القرن العشرين. علاوة على ذلك، فأنا أؤمن بقدرة الأفكار، الكتب، والأيديولوجيات. في الختام، أتمنى أن يُطَبَّقَ هذا الأمر في جو تشاوري رحب للغاية وأكثر ديمقراطية من وضعنا الحالي. كل ما أحاول فعله، هو بسط طُرُق من أجل الذهاب بعيدا في مسألة تجاوز الرأسمالية والملكية الخاصة، وذلك بالاعتماد على تجارب سابقة لكنها تظل غير معروفة.
حاوره : ميشيل التشانينوف
ترجمة يوسف اسحيردة
أنتلجنسيا المغرب
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك