مغربنا. 1-1 k/A Maghribona كتاب المناورات الأجنبية ضد السيادة المغربية الذي صدر في خمسة أجزاء، نستهلها بنشر الجزء الأول الذي يهتم بالمراحل التي كان عليها المغرب قبل الاحتلال، أيام السلطان الحسن الأول، ثم مراحل الاحتلال، ومراحل مقاومة الاحتلال، ثم الاستقلال في الأجزاء التالية، حيث سيجد القارئ عناصر تنشر لأول مرة
إنه لسوء حظنا أن وقائع هذه المعركة التي مهدت لاقتطاع إقليم تيدكلت من التراب المغربي، لم تكتب بتفاصيلها إلا على أيدي ضباط الاحتلال الفرنسي، الذين كانت لهم الغلبة، ولم يخلف لنا المجاهدون المغاربة الذين خاضوا هذه المعركة الضارية أي شيء باستثناء الرسائل التي كتبت أيام التعبئة والاستنفار، وذلك لسبب بسيط هو أنهم استشهدوا جميعا.. لقد كتب الفرنسيون تفاصيل هذه المعركة بالأقلام وكتبها المغاربة بالدماء
ولو نقب أولئك الذين ورثوا إقليم تيدكلت من عند الفرنسيين وحفروا عند جذوع النخيل، وتحت الجدران الباقية من قصبات أوليف وإينغار وعين صالح ومسجد الهدكة، والتي يعتزون بها اليوم كبقايا لحضارتهم، لوجدوا أشلاء المجاهدين المغاربة وبقايا عظامهم مشخصة هوية أصحاب هذه المناطق، ولربما وجدوا تلك العظام مخرقة بالرصاص، ليعرفوا نوع الثمن الذي دفعه الفرنسيون لهم مقابل احتلال أرضهم
ومن نكد الدنيا على أجيالنا، أن الحرص الاستعماري على طمس تلك المآثر والآثار، طابق رغبة الورثة في إقبار هذه المرحلة من تاريخنا في طي النسيان
ولماذا نبتئس من هذا النكد.. ألم يسقط مواطنونا في تيدكلت برصاص الجيوش المشتركة الفرنسية ومن معهم من المرتزقة ؟
العلماء يستنكرون التهاون
وكما يقول المثل المغربي: ما سألوا عليا حتى فات الفوت فيا ، فإن أجوبة المخزن التي يرد فيها على شكوى السكان الفرنسيين بعد احتلالهم لعين صالح، وطلب النجدة لهم وهم في إينغار، لم تصل إلا بعد أن احتل الفرنسيون كل إقليم تيدكلت
لقد حصلت معركة إينغار في 17 مارس 1900 وجاءت أول رسالة للسكان يوم 24 أبريل، ومرة أخرى لا بد من التذكر بأن السلطان إنما كان يمضي على رسائل يمليها باحماد متطابقة مع مخططاته وبرامجه وطموحاته
وهي مخططات وبرامج وطموحات سريعا ما افتضحت وانكشفت بعد أن هب الرأي العام الوطني في كل أنحاء المملكة، مستنكرا احتلال إقليم تيدكلت، فعندما حل باحماد بمدينة تزنيت لتنصيب خليفة السلطان بها، لقي من السخط والغضب ما جعله يشعر بأن حياته في خطر
فلقد انبرى أقطاب العلم بتزنيت، وأغلبهم من الصحراء الشرقية والصحراء الغربية، وبينهم أولاد سيدي احماد وموسى، أصحاب النفوذ الروحي الكبير، وأفراد زاوية تازروالت، وهم حسينيون من كرزاز بإقليم توات، وأفراد زاوية سيدي بنو هاشم وأصلهم من تيمكلطيش بالصحراء الشرقية أيضا، وأفراد عائلة الشيخ ماء العينين سيد الساقية الحمراء وشنقيط، وأحاطوا به وشتموه واتهموه بالخيانة
وكانت نهاية باحماد، إذ كانت أحكام العلماء الصحراويين في تزنيت مصدر توجيه العلماء في فاس، وبذلك اجتمعت كلمة العلماء على خيانة باحماد وتنازله عن أطراف المملكة للمستعمرين.
إن التاريخ يتحدث بسخاء عن المصاعب التي عاشها السلطان عبد العزيز رغم انتفاضته المشهورة وعناده ضد الفرنسيين، لكن باحماد الذي كان وصيا على العرش عندما كان السلطان شابا في الرابعة عشر من عمره، تصرف بتهاون وتواطؤ جعل الفرنسيين يحققون كل أغراضهم في المنطقة، بينما كان ضياع المناطق الصحراوية مثارا لغضب الجماهير الشعبية، وعلماء الدين، الذين ما إن تجسد غضبهم وأصبح معارضة منظمة في كل أرجاء المغرب، حتى مات باحماد، وبقي السلطان.
والواقع المر، هو أنه في عهد وصاية باحماد، انقطعت العناية كلها عن الأقاليم الصحراوية وترك سكان كورارة وتوات نهبا للجيوش الفرنسية مثلما ذهب سكان تيدكلت ضحية للانتظار.
في 22 ماي.. احتلال تيميمون
لقد أحدثت تحركات الجيش الفرنسي، بعد احتلال عين صالح وإينغار وكل إقليم تيدكلت، رجة كبرى في قلوب المواطنين جميعا في توات وكورارة، حتى أن الناس أصيبوا بشبه اندهاش وتجمد في الأعصاب، وانعدام لأي رد فعل
فقد لاحت للفرنسيين طرق المواصلات الأرضية بين أقاليم تافيلالت والصحراء الشرقية مفتوحة، وربما بعث السلطان جيوشا للتدخل لحماية سكان توات وكورارة، وكان لا بد من سد الطريق الشمالي لإقفال الكماشة على الأقاليم الصحراوية، فتسربت جيوش جرارة قادمة من عين الصفرا جنوب الحدود الجزائرية، واتجهت بقيادة الكولونيل برتراند، يوم 21 أبريل 1900، واحتلت مركز إيكلي الذي يراقب الطريق المؤدية من توات إلى تافيلالت، وفي 27 أبريل، أي بعد ستة أيام، صدر الأمر بالتحرك لاحتلال إقليم كورارة
وصدرت الأوامر لقوات هائلة يقودها الكولونيل مينيستريل، وصلت يوم 11 ماي 1900 إلى تانعاست في تينركوك بعد قصف مدفعي مكثف جعل السكان الآمنين يهربون، خصوصا بعد أن أصبح القصف يأتي أيضا من الجنوب، وأصبحوا بين نارين
وفي تلك الظروف المرعبة، دعا أحد زعماء المقاومة، وهو قايد المحارزة القايد عبد الكريم، كل من يقدر على حمل السلاح للاجتماع في واحة تسمى فاتيس ، لكنهم عندما كانوا منهمكين في تبادل الرأي، أحاط بهم الكولونيل مينيستريل بنفسه ومعه أربعمائة من الجنود، واعتقل الجميع
وما إن وصل يوم 22 ماي حتى كانت القوات الفرنسية محيطة بالعاصمة تيميمون حيث العامل محمد المراكشي، الذي جاء اليوم الذي سيدفع فيه ثمن أخطائه وثمن جشعه وسوء تصرفه وإفساده للأوضاع الإدارية، وبث كراهية السلطة في نفوس المواطنين
وما إن سمع العامل سيمو قصف المدافع، حتى جمع أمتعته وهرب وترك العاصمة تيميمون للجنود الفرنسيين يدخلوها بدون مقاومة
وفعلا، دخل الكولونيل مينيستريل لمكتب العامل سيمو ورفع عليه العلم الفرنسي، وأطلق الجنود الفرنسيون عيارات نارية في الهواء احتفالا بهذا الانتصار
الجزائريون يقولون: افعلوا مثلنا
لكن.. أي انتصار هذا تحققه جيوش فرنسا ضد لا شيء.. ضد سكان عزل في غيبة السلطة، ودون مقاومة.. ولا شك أن الفرنسيين شعروا بالذل وهم يحاربون الضعف ويستبسلون ضد النساء والأطفال، فعادوا للبحث عن الطرف الآخر
وكان لهم في المنطقة من يمهد لدخولهم، من جواسيس وعملاء ودجالين جزائريين في وسط السكان، فاتجهوا إليهم يحثونهم على التحرك لخلق رأي عام يقبل الاستسلام.
والحقيقة، أن الفرنسيين كانوا يستعدون لمواجهة قلب منطقة توات، وكانوا يعرفون أن هناك معارضة ومقاومة تتركز على أطراف واد الساورة، وكان لابد لهم من دعم تحركهم العسكري الجبار بمناورات سياسية داخلية
ونحن نذكر إن لهم في المنطقة ذلك اللاجئ السياسي بوعمامة، الذي نذكر حيطة الملك الحسن الأول منه، ونذكر تشككه في نواياه
ولقد أصبح بوعمامة هو قيدوم الخيانة في المنطقة وزعيم الحركة الانهزامية، له أعوان ودعاة ومساعدون، ولكن الفرنسيين اضطروا للتضحية بسر المهنة حينما دفعوا مساعديهم الجزائريين مباشرة للتدخل في شؤون المنطقة
ولنقرأ هذه الرسالة التي بعثها أحد العلماء الجزائريين إلى سكان توات يفتح لهم طريق الاستسلام، ويمجد لهم سبل الخيانة وكأنه يقول لهم افعلوا مثلنا ، وهي رسالة مأخوذة هي أيضا من أرشيف القوات الفرنسية ننقلها بنصها الكامل:
((من الباشا آغا سيد الدين بن حمزة الله وليه ونصيره، إلى جميع قبائل تيبركامين، وعبود، وخصوصا القايد امحمد بن الشيخ، قائد منصب من طرف السلطان
وبعد، كيف أحوالكم؟ وما هي أخباركم؟ والله لقد تقطع قلبنا لما حل بكم، ولقد كنت أخاف عليكم مما أصابكم وقطعتم كبدي، خصوصا بعدما تم احتلال بلادكم، ولقد بعثت لكم ولدي وأولاد عمي لتدخلوا في حمايتهم وليكونوا وسائط بينكم وبين الحكومة الفرنسية، فلا تتأخروا، وكونوا أول المحتمين لتحظوا بمقابلة رئيس المنطقة الفرنسي، ولا تأتوا بعد الأولين، لأن الأولين ستكون لهم حظوة عند الفرنسيين
إنكم تعلمون أنه ليست لكم القوة لدحر من جاؤوا لاحتلال بلادكم، إن الله جل وتعالى حرم على الإنسان أن يدفع بنفسه إلى التهلكة، وهو وحده القادر على أن يعطي ويزيل
وكونوا على يقين بأني لا مصلحة لي شخصيا في كل هذا، لكن لا تكونوا مع الذين سيلقون العذاب. كان هذا في يوم 22 ذو الحجة 1317 23 أبريل 1900))
هذا المحتوى مقدم من الأسبوع الصحفي بقلم الراحل مصطفى العلوي [ الحقيقة الضائعة]
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك