مغربنا 1 المغرب
عكس المتداول من حديثٍ عن ضعف الإقبال على الكتب بالمغرب، تقدم “الآداب المرتحلة” رواية أخرى تنفي ندرة القراءة والاهتمام بالكتاب، وترى من بين الإشكالات الأساسِ ضعف التوزيع وبُعد المؤلفات عن قرائها:
“الآداب المرتحلة”، التي حطّت في شهر أكتوبر الجاري رحالها بفاس في “جنان السبيل” والتي من المرتقب أن تقترب من قراء طنجة في السنة المقبلة 2023، رددت مرارا نادية السالمي، رئيسة جمعيتها، أن الحضور الشعبي الكثيف لدورات المهرجان الأربع دليل على عدم دقة الحديث الإطلاقي القائل بأن “المغاربة لا يقرؤون”.
وتُذَكّر أطوار هذه التظاهرة التي لا تكتفي بتقريب الكتب، بل تحقق اللقاء بين كتّابها وقرّائها، بما دافعت عنه الأكاديمية نزهة بلخياط، في فعاليات الدورة الـ25 من المعرض الدولي للنشر والكتاب؛ فقد سبق أن نفت الأكاديمية إمكان تحديد ما إن كان المغاربة يقرؤون أم لا في غياب مؤسسة يمكنها القيام بأبحاث ميدانية تستوعب وتناقش ما هو متعلق بالقراءة والكتابة، معتبرة المعطيات الصادرة عن مؤشر القراءة العربي لمؤسسة آلِ مكتوم والمندوبية السامية للتخطيط ومديرية الكتاب بوزارة الثقافة والاتصال غير كافية.
كما تأسّفت بلخياط لإصدار المندوبية السامية للتخطيط “ذات الشأن” بحثا تقدّر فيه وقت قراءة المغاربة بدقائق معدودة، بينما “المغاربة يقرؤون على حوامل مختلفة ومتعددة”، و“أطروحات مفهوم القراءة وإشكالاتها متجاوزة إبستمولوجيا (…) لأنها لا تراعي الزمن الرقمي”.
كما تُذَكّر خلاصات “الآداب المرتحلة” بخلاصات مبادرات مغربية أخرى، لا ترى أن القراءة تعيش أفضل سنواتها بالمغرب؛ لكنها تقدم أطروحة مغايرة لإقبال أطفالٍ وشبابٍ عليها، مثل “شبكة القراءة بالمغرب”، التي تعمل محليا ووطنيا عبر عشرات الفروع، ووصل عدد المشاركين في جائزتها الوطنية للقراءة إلى 20 ألفا، في سنة 2020، وفق رئيستها نجية المختاري.
إدريس اليزمي، عضو جمعية “الآداب المرتحلة” والمسؤول المغربي، سبق أن تساءل في نقاش عن “أزمة القراءة”: “هل هناك فعلا أزمة قراءة أم أزمة عرض للمقروء؟”.
وفي تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، قال اليزمي: “لا توجد دراسات علمية دقيقة حول مستوى القراءة، ولو وُجدت أرقام. وأطلع على إحصاءات لا تبدو لي دقيقة”.
وفي ظل غياب مثل هذه الدراسات، ذكر المتحدث أنه “عندما يكون عرضٌ؛ أي عندما تكون مبادرة جمعوية أو لأساتذة أو نشاط في مدرسة يكون تجاوب”، ثم استرسل قائلا: “الآداب المرتحلة” في كل دورة يحضرها آلاف المغاربة، ويقتنون كتبا، بل ويكون هناك زحام في المكتبة. أكيدٌ وجودُ ضعف في القراءة بالنسبة للأجيال السابقة؛ ولكن من الصعب مقارنتها بالأجيال الحالية، حتى في التمدرس”.
وواصل المصرح: “توجد تحولات أيضا على مستوى الاستهلاك الثقافي للمغاربة، بفعل التكنولوجيات الحديثة؛ وهو ما يتطلب تكثيف أشكال العرض، ولو في الإنترنيت أيضا”.
الروائي المصري يوسف زيدان، الذي كان ضيف “الآداب المرتحلة”، تحدث لـ هسبريس عن جانب آخر تبرزه مبادرات مثل “الآداب المرتحلة”؛ حيث قال: “الحضور من الواجبات المبهجة التي يجب على أي مجتمع متحضر القيام بها، وهذا الجمع بين القارئ والكاتب فرصة جميلة لكليهما؛ فالكاتب تصقل مرآته باللقاءات مع القراء، والقارئ يزداد شغفا باللقاء والنقاش والحكي المفتوح مع الكاتب فتقترب المسافة بينهما؛ فيصبح هناك جسر آخر غير جسر الكتابة يمتد ما بين الكاتب والقارئ”.
الأكاديمي والاقتصادي إدريس الكراوي، قال، من جهته، إن “مثل هذه التظاهرات التي توفر فضاءات تشجع على القراءة تجيب على حاجة حقيقية، وهي ضرورة الحوار بين المثقف والمجتمع والمبدع والمجتمع، وبين المفكرين والمجتمع”.
وأضاف في تصريحه لـ هسبريس: “كل التحولات التي عرفها العالم اليوم بينت أهمية الثقافة، وأهمية المعرفة في فهم ما يجري في مجتمعاتنا، وإعطاء معنى لهذه التحولات، وفي نفس الوقت للتساؤلات الوجودية التي تطرحها الوقائع الجديدة التي يعيشها العالم اليوم”؛ وبالتالي فإن “إعطاء الكتاب هذه المكانة يوجد في صلب هذا الاهتمام الجديد الذي صار مطلبا ملحا لدى كل المجتمعات، وهو جعل الثقافة بصفة عامة في الواجهة التنموية، كرافعة لإنتاج الثروة وإعطاء معنى للتنمية ونماذجها”.
الباحثة والكاتبة المغربية أسماء المرابط، التي لم تخف إعجابها بالمبادرة واستمرارها، تحدثت أولا عن أهمية “تقريب القارئ والقارئة مع الكاتبة والكاتبة، فهذا لقاء لا نراه دائما؛ لأن الكاتب يكتب مثل المجهول، لكن عندما تلتقي مع القراء ويعطونك خواطرهم تشعر بشعور جميل جدا”.
وشددت المرابط، في تصريحها لـ هسبريس، على أهمية زيارة الكُتَّاب القرَّاءَ في مدنهم، وتقريب الكتب منهم، قائلة: “هذا يشجع على القراءة، وكل ما يشجع على القراءة يشجع على المعرفة، فيشجع بالتالي على الحرية والوعي، فَسُموِّ مجتمعنا. ننتقد الناس لأنهم لا يقرؤون؛ لكن عندما نعطيهم فضاءات للقراءة يكونون حاضرين، ويأتون للقراءة”.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك