أنتلجنسيا المغرب:ياسر أروين
تحل يوم الأربعاء 08 يناير، الذكرى السنوية لوفاة أحد أعلام السياسة المغربية، عبد الرحيم بوعبيد (1922-1992).
هذا الرجل الذي يعد من أبرز الشخصيات السياسية في تاريخ المغرب الحديث، ترك بصمة لا تمحى في النضال الوطني والمسار السياسي للبلاد.
النشأة والمسار التعليمي
ولد عبد الرحيم بوعبيد سنة 1922 في مدينة سلا العتيقة. تلقى تعليمه الأولي في الكتّاب القرآني، ثم واصل دراسته بمدارس حديثة، لينتقل بعد ذلك إلى جامعة القرويين بفاس. أبان منذ سنواته الأولى عن نبوغ فكري ووعي سياسي عميق، ما جعله يلتحق بصفوف الحركة الوطنية التي كانت تنادي بالاستقلال.
بعد أن أتم دراسته في المغرب، انتقل إلى فرنسا لمتابعة تعليمه في مجال القانون والاقتصاد السياسي. هناك، تعزز وعيه الوطني أكثر بفعل احتكاكه بحركات التحرر العالمية، مما صقل رؤيته النضالية والسياسية.
النضال الوطني ومقاومة الاستعمار
انخرط عبد الرحيم بوعبيد في العمل السياسي في سن مبكرة، حيث انضم إلى "كتلة العمل الوطني" التي تطورت لاحقًا لتصبح "حزب الاستقلال". لعب دورًا بارزًا في صياغة وثيقة المطالبة بالاستقلال سنة 1944، وهو الحدث الذي شكّل منعطفًا حاسمًا في الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي.
تعرض للاعتقال والنفي أكثر من مرة بسبب نشاطه الوطني، لكن ذلك لم يثنه عن مواصلة النضال. كان من بين الشخصيات التي شاركت في المفاوضات التي أدت إلى عودة الملك محمد الخامس من المنفى، وتوجت بإعلان استقلال المغرب سنة 1956.
وكان من القلائل، الذين جهروا بقول لا للراحل الحسن الثاني، خصوصا في قضية الصحراء المغربية، حيث رفض بوعبيد بمعية قيادات أخرى من الحزب، إجراء أي استفتاء حول مغربية الصحراء، باعتبارها(مغربية)، ويجب الدفاع عنها بكل الطرق الممكنة دون اللجوء إلى أي حل آخر، حيث تعرض في حينها للاعتقال رفقة رفاقه.
المسؤوليات السياسية
بعد الاستقلال، تقلد عبد الرحيم بوعبيد عدة مناصب حكومية، كان أبرزها:
1. وزير الاقتصاد الوطني: قاد جهودًا كبيرة لإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني بما يتماشى مع متطلبات مرحلة ما بعد الاستقلال.
2. وزير الخارجية ومكلف بالمفاوضات: لعب دورًا مهمًا في تثبيت مكانة المغرب على الساحة الدولية، وتعزيز علاقاته مع الدول الإفريقية والعربية.
3. وزير العدل: ساهم في تأسيس منظومة قضائية حديثة تراعي مقتضيات السيادة الوطنية.
تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية
بعد اختلافات داخل حزب الاستقلال حول التوجهات السياسية والاقتصادية، كان عبد الرحيم بوعبيد من بين المؤسسين لحزب "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" سنة 1959، الذي أصبح لاحقًا "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية". تولى قيادة الحزب في فترات صعبة، حيث عانى من الاعتقالات والمضايقات بسبب مواقفه المعارضة لبعض السياسات الحكومية.
الدفاع عن الصحراء المغربية
كان عبد الرحيم بوعبيد من أشد المدافعين عن الوحدة الترابية للمغرب. في سنة 1981، انتقد علنًا تنظيم استفتاء لتقرير المصير في الصحراء المغربية، واعتبره تنازلًا عن السيادة الوطنية. بسبب موقفه هذا، تم اعتقاله وحكم عليه بالسجن، وهو موقف يعكس شجاعته وصلابته في الدفاع عن قناعاته.
حياته الشخصية
عرف عبد الرحيم بوعبيد بحياة متواضعة واهتمام كبير بالفكر والثقافة. كان قارئًا نهمًا ومثقفًا واسع الاطلاع، مما انعكس على أسلوبه في إدارة الخلافات السياسية بحنكة وذكاء. رغم التزاماته السياسية، ظل قريبًا من الناس، يناضل من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة.
الإرث السياسي والفكري
توفي عبد الرحيم بوعبيد يوم 8 يناير 1992، تاركًا إرثًا سياسيًا وفكريًا غنيًا. لا تزال مواقفه ومبادئه مصدر إلهام للكثيرين، خاصة في ما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
ختاما، يظل عبد الرحيم بوعبيد رمزًا للنضال الوطني والسياسي في المغرب، حيث تحل ذكرى وفاته في وقت تحتاج فيه البلاد إلى استلهام العبر من زعماء شكلوا وجدانها السياسي، وساهموا في بناء مغرب مستقل وحديث.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك